الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

من أسرار القران - إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام



إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش


الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية

من أسرار القرآن

الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
ـ 6 ـ ‏ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش‏*‏ الأعراف‏:54*‏

بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار


جاءت الإشارة إلي خلق السماوات والأرض في ستة أيام في ثماني آيات قرآنية كريمة يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

1 ـ ‏ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين‏.(‏ الأعراف‏:54)‏

2 ـ ‏ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون‏(‏ يونس‏:3)‏

3 ـ ‏ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه علي الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا‏..(‏ هود‏:7)‏

4 ـ ‏ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوي علي العرش الرحمن فاسأل به خبيرا‏(‏ الفرقان‏:59)‏

5 ـ ‏ الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوي علي العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون‏(‏ السجدة‏:4)‏

6 ـ ‏ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين‏,‏ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين‏,‏ ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏,‏ فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم . ‏(‏فصلت‏:9‏ ـ‏12)‏

7 ـ ‏ ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب . ‏(‏ق‏:38)‏

8 ـ ‏ هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء ومايعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير‏.(‏ الحديد‏:4)‏

وقد اتفق جمهور المفسرين علي أن أيام خلق السماوات والأرض الستة هي ست مراحل‏,‏ أو وقائع‏,‏ أو أطوار‏,‏ أو أحداث كونية متتابعة‏,‏ لايعرف مداها إلا الله تعالي‏,‏ وأنها لايمكن أن تكون من أيام الأرض‏,‏ لأن الأرض لم تكن قد خلقت بعد‏,‏ ولذلك لم توصف أيام خلق السماوات والأرض بالوصف القرآني مما تعدون الذي جاء في آيات أخري عديدة بمعني اليوم الأرضي‏.‏

مدلول لفظة اليوم في القرآن الكريم

وردت لفظة يوم بمشتقاتها في القرآن الكريم‏475‏ مرة‏,‏ منها‏349‏ مرة بلفظ اليوم‏,16‏ مرة بلفظ يوما ومجموعهما‏365‏ مرة‏(‏ وهو نفس عدد أيام السنة في زماننا‏),‏ كذلك جاءت التعبيرات القرآنية يومكم‏,‏ يومهم‏,‏ يومين‏,‏ أيام‏,‏ وأياما‏109‏ مرات لتحديد وقائع محددة‏,‏ أو عددا محددا من الأيام‏,‏ كما جاء التعبيران يومئذ‏,‏ ويومئذ لتحديد وقت معين‏.‏
وفي اللغة العربية يقال يوم‏(‏ وجمعة أيام‏)‏ ليعبر به عن الفترة من طلوع الشمس إلي غروبها‏,‏ أي فترة النور بين ليلين متتاليين‏,‏ وقد يعبر به عن النهار والليل معا‏(‏ أو مايعرف باليوم الكامل أو بيوم الأرض الشمسي‏)‏ وهو الفترة التي تتم فيها الأرض دورة كاملة حول محورها أمام الشمس‏,‏ أو بالفترة الزمنية بين شروقين متتاليين أو بين غروبين متتاليين للشمس ويساوي أربعا وعشرين ساعة كاملة‏.‏

ويقال في اللغة العربية من أول يوم أي من أول أيام تاريخ محدد‏,‏ وربما عبروا باليوم عن الشدة التي يمر بها الفرد أو الجماعة من الناس‏,‏ مثل قولهم يوم كيوم عاد أو يوم كيوم ثمود‏,‏ أو يوم من أيام العرب أو من أيام الدهر‏.‏
وقد يعبر باليوم عن مدة من الزمان أيا كان طولها‏,‏ ومعني ذلك أن مصطلح يوم من الناحية اللغوية هو مصطلح عام يختلف مدلوله حول ما يقصد به في سياق الكلام‏.‏

ولفظة يوم جاءت في القرآن الكريم بهذه المعاني كلها‏,‏ فجاءت بمعني النهار كما في قوله تعالي‏:‏
‏...‏فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج‏....[‏ البقرة‏196)‏
وقوله سبحانه‏:‏
سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما‏..(‏ الحاقة‏:7)‏

وجاءت بمعني اليوم الأرضي المطلق‏(‏ أي زمن دورة الأرض حول محورها أمام الشمس في أربع وعشرين ساعة‏).‏ كما في قوله تعالي‏:‏
واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقي‏..(‏ البقرة‏:203).‏

وجاءت لفظة يوم في القرآن الكريم بمعني يوم محدد من أيام الأسبوع من مثل ما جاء في قوله تعالي‏:‏
ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون‏.(‏ الجمعة‏:9)‏

وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لايسبتون لاتأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون‏.(‏ الأعراف‏:163)‏
وجاءت لفظة يوم في كتاب الله بمعني يوم محدد من السنة كيوم الحج الأكبر وهو يوم عرفة أو التاسع من ذي الحجة‏.‏

كما جاءت بمعني واقعة محددة في التاريخ كيوم الزينة ويوم الظلة‏,‏ ويوم الفرقان‏,‏ ويوم حنين‏,‏ ويوم الأحزاب‏,‏ ويوم الفتح‏.‏
وجاءت بمعني بعض علامات تدمير النظام الكوني قبل البعث من مثل قوله تعالي‏:‏ يوم ترجف الأرض‏,‏ و يوم تأتي السماء بدخان مبين‏,‏ و يوم تمور السماء مورا‏,‏ وأمثالها‏.‏

وجاءت بمعني يوم من أيام الله التي لايعلم مداها إلا هو‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ولكي يقرب ذلك إلي أذهاننا قارنها بعدد من سنيننا مضافا إليها الوصف القرآني مما تعدون وذلك من مثل قوله تعالي‏:‏
ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون
‏(‏ الحج‏:47)‏


وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
يدبر الأمر من السماء إلي الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون‏(‏ السجدة‏:5)‏
وجاءت لفظة يوم في كتاب الله بمعني طور أو مرحلة‏,‏ أو واقعة‏,‏ أو حدث كوني وذلك من مثل الآيات‏:(7‏ من سورة الأعراف‏),(3‏ من سورة يونس‏),(7‏ من سورة هود‏),(59‏ من سورة الفرقان‏),(4‏ من سورة السجدة‏),(38‏ من سورة ق‏),(4‏ من سورة الحديد‏).‏

وجاءت بمعني الأخرة‏:‏ يوم الدين‏,‏ يوم القيامة‏,‏ يوم الساعة‏,‏ يوم البعث‏,‏ يوم الفصل‏,‏ يوم الحساب‏,‏ يوم الجمع‏,‏ يوم التلاق‏,‏ يوم التناد‏,‏ يوم الأزفة‏,‏ يوم الأشهاد‏,‏ يوم الحسرة‏,‏ يوم التغابن‏,‏ يوم الوعيد‏,‏ يوم الخروج‏,‏ يوم الخلود‏,‏ وغيرها من التعبيرات عن أيام البعث والحساب والخلود في الآخرة‏.‏

مدلول لفظة اليوم في العلوم الكونية
يعرف يوم الأرض الشمسي بالفترة التي تتم فيها الأرض دورة كاملة حول محورها أمام الشمس‏,‏ وتقدر هذه الفترة في زماننا الحالي بأربع وعشرين ساعة يتقاسمها ليل ونهار باختلاف طفيف في طول كل منهما‏.‏
أما يوم الأرض النجمي‏(‏ ويقل في مداه عن يوم الأرض الشمسي بثلاث دقائق وست وخمسين ثانية‏)‏ فيقدر بالمدة الزمنية الواقعة بين رؤية نجم ثابت في السماء من فوق نقطة محددة علي سطح الأرض مرتين‏(‏ أي حتي تعود نفس النقطة المحددة علي سطح الأرض الي رؤية هذا النجم الثابت من جديد‏),‏ والفارق الزمني الطفيف بين اليومين سببه أن الأرض عندما تتم دورة كاملة حول محورها تكون قد جرت في مدارها حول الشمس مسافة تقدر بحوالي‏365/1‏ من طول هذا المدار‏.‏

ولما كانت الأرض وكل مافي السماء يجري في فسحة الكون بسرعات متعددة‏,‏ حول مراكز عديدة‏,‏ ولما كان لكل جرم من تلك الأجرام دورة محورية كاملة ضمن عدد من الدورات المدارية والانتقالية‏,‏ فإن أطوال تلك الدورات المحورية والمدارية تختلف من جرم الي آخر‏,‏ وبالتالي فإن طول يوم وسنة كل جرم من هذه الأجرام يختلف اختلافا كبيرا‏,‏ فيتراوح يوم كواكب المجموعة الشمسية بين‏88‏ يوما أرضيا في أقرب الكواكب الي الشمس وهو كوكب عطارد‏,‏ إلي بضعة أسابيع في كوكب الزهرة إلي‏24‏ ساعة مقسمة الي ليل ونهار في كوكب الأرض‏,‏ الي‏24‏ ساعة‏,37‏ دقيقة‏,23‏ ثانية في كوكب المريخ‏,‏ الي‏9‏ ساعات‏,53‏ دقيقة في كوكب المشتري‏,‏ الي‏10‏ ساعات‏,14‏ دقيقة‏,24‏ ثانية في زحل‏,‏ إلي‏10‏ ساعات‏,48‏ دقيقة في يورانوس‏,‏ الي‏15‏ ساعة‏,,40‏ دقيقة في كوكب نبتيون‏.‏
كذلك يختلف طول سنة كل جرم من أجرام المجموعة الشمسية باختلاف طول مداره‏,‏ وسرعة دورانه فيه‏,‏ فالحركة الانتقالية السنوية حول الشمس لكوكب عطارد تقدر بحوالي‏88‏ يوما أرضيا‏,‏ ولكوكب الزهرة بحوالي‏224,7‏ يوم أرضي‏,‏ وللأرض باثني عشر شهرا قمريا‏(‏ أو‏365,256‏ يوما أرضيا‏),‏ وتصل في المريخ الي‏686,98‏ يوم أرضي‏,‏ وفي المشتري الي‏11,86‏ سنة أرضية‏,‏ وفي زحل الي‏29,46‏ سنة أرضية‏,‏ وفي يورانوس الي‏84,07‏ سنة أرضية‏,‏ وفي نبتيون الي‏164,81‏ سنة أرضية‏,‏ وفي بلوتو الي‏248,53‏ سنة أرضية‏,‏ بينما تتم الشمس دورتها حول محورها‏(‏ أي يومها‏)‏ في زمن قدره‏25‏ يوما من أيام الأرض‏,‏ وفي مدارها حول مركز المجرة‏(‏ أي سنتها‏)‏ في‏225‏ مليون سنة من سني الأرض‏.‏

والمجموعة الشمسية هي جزء ضئيل من مجرة درب اللبانة والتي تشكل بدورها جزءا من التجمع المجري‏,‏ الذي يشكل بدوره جزءا من التجمع المجري الأعظم‏,‏ ثم تظل تنسب الي وحدات أكبر باستمرار الي نهاية الكون المدرك‏,‏ وكل ذلك في حركة دائبة في صفحة السماء الدنيا التي زينها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بالنجوم‏,‏ والتي تدور بدورها في داخل السماوات الست العلا‏,‏ وصدق الله العظيم إذ يقول‏:‏
‏...‏ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون‏(‏ الحج‏:47)‏

وإذ يقول‏(‏ عز من قائل‏):‏
‏...‏ في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون‏(‏ السجدة‏:5)‏
وإذ يقول‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة‏(‏ المعارج‏:4).‏


النسبية والزمن
منذ القدم استخدم العرب المساقة للتعبير عن الزمن بصيغ مثل مسيرة شهر‏,‏ أو مسيرة أسبوع‏,‏ أو مسيرة يوم‏(‏ عادة باستخدام الجمال أو بالسير علي الاقدام‏),‏ وفي النظرية النسبية يستخدم الزمن كالبعد الرابع للأبعاد المساحية الثلاث وقد سبق بعض متصوفة المسلمين من أمثال محيي الدين بن العربي‏,‏ ألبرت أينشتاين بمئات السنين في الإشارة الي حقيقة أن الكون وجود مادي في كل من المكان والزمان‏,‏ كما سبقه يالاشارة الي تحدب الكون بتحدب الزمان‏,‏ وهي قضية تعتبر اليوم من أهم نتائج النظرية النسبية العامة‏,‏ بل ان في إشارة القرآن الكريم الي يوم كألف سنة‏,‏ ويوم كخمسين ألف سنة ليمثل أساس النسبية‏,‏ ليس هذا فقط بل إن القرأن الكريم قد اشار الي سرعة الضوء وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك‏...(‏ النمل‏:40)‏


وقد استخدم ابن عربي السنة الضوئية بنفس المفهوم الذي تستخدم به اليوم في علم الفلك انطلاقا من هذه الآية القرآنية الكريمة‏,‏ وفي مطلع القرن العشرين أعلن ألبرت أينشتاين نظريتي النسبية العامة والخاصة في سنتي‏1905‏ م‏,1915‏ م علي التوالي‏.‏


وتقوم نظرية النسبية العامة علي أساس من افتراض أن الجاذبية مكافئة لمفهوم التسارع‏,‏ ووصفتها بأنها إنحناء تحدثه الكتلة أو الطاقة‏(‏ وهما وجهان لعملة واحدة‏)‏ في متصل رباعي الاضلاع من الزمان والمكان بأبعاده الثلاثة وتقوم نظرية النسبية الخاصة علي أساس من فرضين أساسيين‏:‏
أولهما‏:‏ أن القوانين الفيزيائية تبقي ثابتة في أي جسم ثابت أو متحرك بسرعة ثابتة‏.‏

وثانيهما‏:‏ أن سرعة الضوء في الفراغ تبقي ثابتة باستمرار بغض النظر عن سرعة المصدر الذي انطلقت منه‏,‏ أو سرعة الراصد لها‏,‏ وعلي ذلك فهي سرعة مطلقة‏.‏ فضوء مصباح مثبت في قطار يقترب منا ينتشر بنفس السرعة التي ينتشر بها إذا كان يبتعد عنا‏.‏
ويهدف هذان الفرضان الي تثبيت القوانين الفيزيائية‏(‏ الميكانيكية والكهرومغناطيسية‏)‏ سواء كان الجسم الذي تقاس فيه تلك القوانين ساكنا أو متحركا بسرعة ثابتة‏,‏ وذلك لان كلا من الحركة والسكون ليسا مطلقين في الكون المدرك‏,‏ بمعني أن كافة العلاقات فيه نسبية‏,‏ ماعدا سرعة الضوء لأنها ثابتة للمشاهد‏,‏ ولا تتأثر بحركة أي من الراصد أو مصدر ضوء ـ وقد قدرت تجريبيا في الفضاء بحوالي‏299792,5‏ كيلو متر في الثانية‏.‏

وقد تم رصد عروج الضوء‏(‏ إنحناء مساره‏)‏ بين السماء والأرض في سنة‏1919‏ م‏,‏ وثبت بذلك أن الكون كله بما فيه من مادة وطاقة في حالة إنحناء تام‏,‏ وأن أيا من مختلف صور المادة أو الطاقة لا يمكنه التحرك في الكون في خطوط مستقيمة أبدا‏,‏ وسبحان الذي أنزل في محكم كتابه قبل ألف وأربعمائة من السنين وصف الحركة في السماء بالعروج في سبع آيات متفرقات‏.‏
ويترتب على ثبات سرعة الضوء إلغاء الإدعاء الباطل بأن الزمان مطلق‏(‏ مطلقية الزمان‏),‏ وإفراغ مفهوم الآنية من معناه‏,‏ مما يفرغ الكون المدرك من آية مرجعية ذاتية فيه‏,‏ بمعني أنه إذا كان في الكون من مرجعية مطلقة فلابد وأن تأتينا من خارج الكون المدرك‏,‏ وليس من داخله‏,‏ وهي مرجعية الوحي الإلهي المنزل من الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏ فقد ثبت لنا منذ الثلث الأول للقرن العشرين أن الكون الذي نحيا فيه دائم الاتساع‏,‏ وأننا إذا عدنا بهذا الاتساع الي الوراء مع الزمن فلابد أن تلتقي مادة الكون في نقطة متناهية في الصغر‏,‏ عديمة الأبعاد‏,‏ لا نهائية في الكتلة والطاقة‏,‏ وأن هذه الحالة القريبة من العدم‏(‏ مرحلة الرتق‏)‏ انفجرت بأمر من الله‏(‏ تعالي‏)‏ فنشأ عن انفجارها كل من المادة والطاقة‏(‏ وهما وجهان لعملة واحدة‏),‏ والمكان والزمان‏(‏ وهما أمران متواصلان‏),‏ وكل ذلك مترابط مع بعضه البعض وبالكون وما فيه من المخلوقات في الإيجاد من العدم والافناء إلي العدم ثم إعادة الخلق من جديد‏,‏ والخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فوق ذلك كله‏,‏ محيط بالكون وما فيه‏,‏ وبالزمن ماضيه وحاضره ومستقبله‏,‏ لا يحده المكان ولا الزمان لأنه‏(‏ تعالي‏)‏ خالقهما‏,‏ ولا تشكله المادة ولا الطاقة لأنه‏(‏ تعالي‏)‏ مبدعهما‏,‏ وليس في خلقه شئ يشبهه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ كما وصف ذاته العلية بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
‏..‏ ليس كمثله شئ وهو السميع البصير‏(‏ الشورى‏:11).‏

وتفيدنا النظرية النسبية أن كتلة الأجسام المادية المتحركة تزداد بازدياد سرعتها‏,‏ وتنكمش هذه الأجسام‏(‏ أي يقل طولها‏)‏ في اتجاه الحركة‏,‏ وعندما تصل سرعتها إلي سرعة الضوء ينكمش طولها إلي الصفر أي تتلاشي وتتحول إلي طاقة حسب المعادلة التالية‏:‏
الطاقة الناتجة‏=‏ كتلة الجسم المتحرك بسرعة الضوء‏*‏ مربع سرعة الضوء‏.‏

وتؤكد النظرية النسبية أنه فيما عدا سرعة الضوء فكل زمن في الجزء المدرك لنا من الكون هو زمن نسبي يعتمد علي سرعة تحرك الجسم‏,‏ فكلما زادت سرعته‏(‏ بالنسبة إلي جسم آخر‏)‏ قل إحساسه بالزمن‏,‏ فالنسبة بين زمن صاروخ متحرك في فسحة السماء والزمن علي الأرض تزداد بزيادة سرعة الصاروخ حتي إذا وصلت سرعته إلي‏99,995%‏ من سرعة الضوء أصبحت سنته تعادل مائة سنة علي الأرض‏,‏ فالزمن علي الأرض زمن خاضع لقياساتنا‏,‏ ومرتبط بالمكان والسرعة أي بالحركة‏,‏ وهو زمن نسبي‏,‏ لأن كل جسم متحرك يحمل زمنه معه‏,‏ وكل ما في الكون من أجرام يجري إلي أجل مسمي‏(‏ الرعد‏:2,‏ يس‏:38).‏
وبتحويل آيتي سورة السجدة‏(5),‏ الحج‏(47)‏ إلي معادلة رياضية‏.‏ حصلنا علي سرعة الضوء حسب الجدول المرفق وهي من المعجزات العلمية للقرآن الكريم أن يشير إلي مثل هذه السرعات الفائقة قبل ألف وأربعمائة سنة‏.‏

وتتطابق القيمة المستقاة من هاتين الآيتين القرآنيتين الكريمتين مع القيمة المحسوبة لسرعة الضوء في الفراغ والمتفق عليها دوليا‏(‏ في حدود الخطأ المسموح به في الحساب‏)‏ وسبحان الذي أنزل في محكم كتابه قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏
يدبر الأمر من السماء إلي الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون‏.‏
‏(‏السجدة‏:5)‏

وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
‏....‏ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون‏.‏
‏(‏الحج‏:47)‏

أيام الخلق الستة كما جاءت في القرآن الكريم
جاءت هذه الأيام الستة مجملة في سبع آيات قرآنية كريمة ومفصلة في أربع آيات من السورة رقم‏(41)‏ والتي سماها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ باسم فصلت‏,‏ وهو اسم معجز لتفصيل السورة مراحل خلق السماوات والأرض والاستشهاد بذلك علي طلاقة القدرة الإلهية‏,‏ وصدق القرآن الكريم والرسالة المحمدية الخالدة وما جاءت به من قواعد العقيدة وأركان الإيمان‏,‏ وحقيقة الوحي‏,‏ ومن التحذير بمصارع بعض الأمم البائدة حينما كذبوا رسلهم‏,‏ وتمادوا في معصية الله‏,‏ وفي الإفساد بالأرض‏,‏ كما جاءت بذكر أجر المتقين الذين آمنوا بربهم وبرسالته ورسله‏,‏ وقد احتوت السورة الكريمة علي إحدي عشرة آية كونية تعتبر من آيات الإعجاز العلمي المبهرة في كتاب الله‏,‏ ثم ختمت السورة بوعد من الله‏(‏ تعالي‏)‏ للبشرية كافة‏,‏ وللكافرين بخاصة بأنه سوف يفتح لهم في آخر الزمان بعض أسرار هذا الكون التي تشهد بصدق ما جاء به القرآن العظيم‏,‏ وما أجراه الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي لسان خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
والآيات الأربع‏(9‏ ـ‏12)‏ من سورة فصلت تشير إلي أن خلق الأرض الابتدائية كان سابقا علي تمايز السماء الأولي الدخانية إلي سبع سماوات‏,‏ ولذلك يخبرنا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بأنه خلق الأرض في يومين أي علي مرحلتين‏(‏ هما يوم الرتق ويوم الفتق‏),‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ قد جعل لها رواسي من فوقها‏,‏ وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام‏(‏ أي أربع مراحل متتالية‏),‏ ثم خلق السماوات في يومين‏(‏ أي علي مرحلتين‏)‏ وهو‏(‏ تعالي‏)‏ القادر علي أن يقول للشئ كن فيكون‏,‏ ولكن هذا التدرج لحكمة بالغة يفهم منها الإنسان سنن الله في الخلق فيحسن توظيفها في عمارة الأرض وفي القيام بواجبات الاستخلاف فيها‏.‏

وقد يلتبس علي قارئ تلك الآيات لأول وهلة أن خلق الأرض وحدها قد استغرق ستة أيام‏(‏ أي ست مراحل‏),‏ وأن خلق السماء قد استغرق يومين‏,‏ فيكون خلق السماوات والأرض قد استغرقا ثمانية أيام‏,‏ وهو ما يتعارض مع الآيات العديدة التي تؤكد أن خلق السماوات والأرض قد تم في ستة أيام‏(‏ أي ست مراحل‏),‏ ولكن لما كان خلق السماء والارض عملية واحدة متداخلة فان يومي خلق الأرض هما يوما خلق السماوات السبع‏,‏ وذلك لأن الأمر الإلهي في ختام تلك الآيات الأربع كان للسماء وللأرض معا‏:‏
ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏(‏ فصلت‏:11).‏

وإن كانت غالبية المفسرين تري خلاف ذلك لاعتبارهم يومي خلق الأرض داخلين في الأيام الأربعة لجعل الرواسي‏,‏ والمباركة‏,‏ وتقدير الأقوات‏,‏ إلا أنهم مجمعون علي أن حرف العطف ثم لا يدل هنا علي الترتيب مع التراخي‏,‏ ولكنه يدل علي بعد عملية الاستواء والتسوية للسماوات السبع من السماء الدخانية الأولي لأن من معاني ثم هنا انها إشارة إلي البعيد بمعني هناك في مقابلة هنا للقريب‏.‏
والشاهد علي ذلك ما جاء في سورة النازعات من قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها‏,‏ رفع سمكها فسواها‏,‏ وأغطش ليلها وأخرج ضحاها‏,‏ والأرض بعد ذلك دحاها‏,‏ أخرج منها ماءها ومرعاها‏,‏ والجبال أرساها‏,‏ متاعا لكم ولأنعامكم‏.(‏ النازعات‏:27‏ ـ‏33).‏

مما يؤكد أن المراحل الأربع من جعل الرواسي‏,‏ والمباركة وتقدير الأقوات يقصد بها دحو الأرض الابتدائية بمعني إخراج مائها ومرعاها أي تكوين أغلفتها المائية والغازية‏,‏ وأن يومي خلق الأرض وهما نفس يومي خلق السماء يقصد بهما خلق العناصر المكونة للأرض الابتدائية في داخل السماء الدخانية بدليل قوله تعالي‏:‏
ثم إستوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏,‏ فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم‏(‏فصلت‏:12,11)‏

وبدليل قوله‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم‏(‏ البقرة‏:29).‏
ولفظ خلق هنا معناه التقدير لمكونات الأرض

أيام الخلق الستة في منظور العلوم المكتسبة
يري أهل العلوم المكتسبة مراحل خلق الكون علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ مرحلة الجرم الابتدائي الأولي الذي بدأ منه الخلق‏(‏ مرحلة الرتق‏).‏
‏(2)‏ مرحلة انفجار الجرم الابتدائي الأولي‏(‏ مرحلة الفتق أو المرحلة الدخانية‏)‏ وبدء توسع الكون‏.‏

‏(3)‏ مرحلة تخلق العناصر المختلفة في السماء الدخانية‏,‏ عبر تخلق المادة والمادة المضادة‏,‏ وتكون نويات الايدروجين والهيليوم وبعض الليثيوم‏.‏
‏(4)‏ مرحلة انفصال دوامات من الغلالة الدخانية وتكثفها علي ذاتها بفعل الجاذبية لتكوين كل من الأرض وباقي أجرام السماء‏.‏

‏(5)‏ مرحلة دحو الأرض‏,‏ وتكوين أغلفتها الغازية والمائية والصخرية‏,‏ وبدء تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض وتكون كل من المحيطات والقارات والجبال‏,‏ وتكون التربة وبدء دورة المياه حول الأرض وتسوية سطحها وخزن المياه تحت السطحية‏.‏
‏(6)‏ مرحلة خلق الحياة من أبسط صورها إلي مختلف مستوياتها‏.‏
والله‏(‏ تعالي‏)‏ أعلم بما قد خلق‏.‏

ويقدر علماء كل من الفلك والفيزياء الفلكية عمر الكون بحوالي‏10‏ ـ‏15‏ بليون سنة‏,‏ بينما يقدر علماء الأرض عمر ذلك الكوكب بحوالي‏4,6‏ بليون سنة‏,‏ وهو نفس العمر الذي توصل إليه العلماء بتحليل صخور وتراب سطح القمر‏,‏ وعمر النيازك العديدة التي نزلت إلي الأرض‏.‏
ويبدو أن الفارق الكبير بين العمرين المقدرين لكل من الأرض والكون سببه أن العمر المقدر للأرض هو عمر تيبس قشرتها الخارجية‏,‏ وأن هذا العمر لايشمل أيا من مراحل الأرض الابتدائية‏,‏ ولا مراحل تخلق العناصر التي كونت تلك الأرض الابتدائية‏.‏

وتشير الآيات القرآنية في كل من سورة البقرة‏(29),‏ وفصلت‏(9‏ ـ‏12)‏ إلي سبق خلق الأرض لعملية تسوية السماء الدخانية الأولية إلي سبع سماوات‏,‏ ويبدو أن المقصود هنا هو خلق عناصر الأرض‏,‏ ثم تلي المرحلة خلق الأرض نفسها علي هيئة الكوكب الابتدائي الذي تم دحوه وتشكيله إلي صورته الراهنة‏,‏ وذلك لأن خلق السماوات والأرض عمليتان متلازمتان‏,‏ ولا يمكن لإحداهما أن تنفصل عن الأخري‏.‏
فسبحان الذي أنزل من فوق سبع سماوات‏,‏ وقبل ألف وأربعمائة من السنين قوله الحق في صيغة استفهام استنكاري تقريعي للمشركين والكافرين‏:‏ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين‏,‏ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين‏,‏ ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏,‏ فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم‏.(‏ فصلت‏:9‏ ـ‏12).‏

وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش‏....‏
‏(‏ الأعراف‏:54).‏



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق