الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

من أسرار القرآن 09



من أسرار القرآن 09

الاشارات الكونيه في القران الكريم ومغزي دلالتها العلميه
‏والتين والزيتون‏.‏ وطور سينين‏.‏ وهذا البلد الامين

بقلم الدكتور‏:‏ زغلول
النجار



هذه الايات المباركات جاءت في مطلع سوره التين‏,‏ وهي سوره مكيه‏,‏ ومن قصار السور في القران الكريم اذ يبلغ عدد اياتها ثماني ايات فقط بعد البسمله‏.‏
ويدور المحور الرئيسي للسوره حول قضيتين رئيسيتين‏:‏ اولاهما هي قضيه تكريم الله للانسان بخلقه في احسن تقويم‏,‏ وعلي فطره مستقيمه مع حقيقه الاخوه الانسانيه التي تنتهي كلها الي ادم‏(‏ عليه السلام‏),‏ وادم من تراب كما اخبرنا المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ ومستقيمه ايضا مع حقيقه الايمان بالله ربا‏,‏ وبالاسلام دينا‏,‏ وبالنبوه والرساله السماويه منهجا في التبليغ عن الله الخالق الباريء المصور‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ومن ثم الايمان بانبياء الله ورسله اجمعين وبما ارسلوا به من دين يحوي الاجابات الشافيه عن التساؤلات الكليه التي تشغل بال الانسان طيله حياته قلت ثقافته او زادت‏,‏ وعلا قدره في المجتمع او انحط من مثل قضايا العقيده‏,‏ والعباده‏,‏ والاخلاق‏,‏ والمعاملات التي تشكل صلب الدين‏,‏ والتي لا يقوي الانسان علي وضع ايه ضوابط صحيحه لنفسه فيها‏,‏ اما لكونها من صميم الغيب المطلق كقضايا العقيده‏,‏ او الاوامر الالهيه المطلقه كقضايا العباده‏,‏ او لكونها ضوابط للسلوك كقضايا الاخلاق والمعاملات‏,‏ والانسان كان دوما عاجزا عن وضع ضوابط لسلوكه من تصوراته وتقديراته الشخصيه‏,‏ ومن هنا كانت ضروره الدين لاستقامه حياه الانسان علي الارض
‏,‏ ومن هنا ايضا كان لازما للدين كي يكون دينا صحيحا قادرا علي تربيه الانسان تربيه صالحه‏,‏ وعلي ضبط حركه الحياه ضبطا عادلا ان يكون بيانا ربانيا خالصا لا يداخله ادني قدر من التصورات البشريه‏,‏ وبذلك يتضح الفرق بين دين صحيح ودين غير صحيح‏...!!‏ وتتجلي قيمه الايمان الكامل في حياه الانسان‏,‏ ذلك المخلوق المكرم الذي قال ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في حقه‏:‏
ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا‏*.‏
‏(‏ الاسراء‏:70)‏

وهذا الانسان المكرم جعله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ مخلوقا ذا اراده حره‏,‏ حتي يؤجر علي كل خير يفعله‏,‏ ويجازي علي كل خطا يقترفه‏,‏ وهياه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ لذلك تهيئه كامله بالروح والنفس‏,‏ والعاطفه والعقل‏,‏ وبمختلف الحواس‏,‏ وجعل حريه الاختيار عنده من مناطات التكريم ووسائل التقييم لعمله‏,‏ فكلما التزم الانسان بالمنهج الذي وضعه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ له‏,‏ واستقام عليه وصل الي درجات من الكمال الانساني الذي لا يقوي كثير من الخلق علي الوصول اليه‏.‏ وليس ادل علي ذلك من قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في الحديث القدسي‏:‏
ما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتي احبه فاكون سمعه الذي يسمع به‏,‏ وبصره الذي يبصر به‏,‏ ولسانه الذي ينطق به‏,‏ وقلبه الذي يعقل به‏,‏ فاذا دعاني اجبته‏,‏ واذا سالني اعطيته‏,‏ واذا استنصرني نصرته‏,‏ واحب ما تعبدني عبدي به النصح لي‏.(‏ رواه الطبراني في الكبير عند ابي امامه‏)‏

ويدل علي ذلك ايضا وقوف جبريل‏(‏ عليه السلام‏)‏ عند مقام لم يتجاوزه في رحله المعراج‏,‏ وتجاوزه المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ لقول جبريل له‏:‏ تقدم انت فاني لو تقدمت لاحترقت‏,‏ ولو تقدمت انت لاخترقت وهو مقام لم ينله احد من الخلق من قبل ولا من بعد‏.‏
وهذا التكريم الذي اعطاه الله‏(‏ تعالي‏)‏ للانسان كلما ارتقي بملكاته البشريه في معراج الله‏,‏ يمكن ان ينقلب الي ضده تماما اذا انتكس الانسان بفطرته‏,‏ وانحط باختياره وارادته عن مقامات ذلك التكريم فهوي بنفسه الي اسفل سافلين‏,‏ في الدنيا بشقائه فيها‏,‏ وفي الاخره بالقائه الي الدرك الاسفل من النار‏,‏ ولذلك قال ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم‏*‏ ثم رددناه اسفل سافلين‏*‏ الا الذين امنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون‏*.‏
‏(‏ التين‏:4‏ ‏6)‏

ومن الدلالات المستوحاه من هذه الايات الكريمه ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد خلق الانسان في احسن هيئه‏,‏ وانسب قامه‏,‏ واعدل صوره‏,‏ وزوده بالعقل والجوارح‏,‏ والاحاسيس‏,‏ والمشاعر‏,‏ وبالقدره علي اكتساب المعارف والمهارات‏,‏ كما زوده بالاراده الحره‏,‏ وبغير ذلك من الصفات والمواهب والقدرات التي تعينه علي القيام بواجبات الاستخلاف في الارض‏,‏ وتنمو معه حتي تصل الي اوجها في مرحله الشباب‏,‏ ثم تبدا في التناقص التدريجي والذبول مع الكبر في السن حتي اذا وصل الانسان الي ارذل العمر ادركه الضعف بعد القوه‏,‏ والعجز بعد القدره‏,‏ فاذا كان من الكفار او المشركين او العصاه الضالين اوكله الله‏(‏ تعالي‏)‏ الي ضعفه وعجزه البشريين‏,‏ واذا كان من المؤمنين الصالحين فان الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ يكرم شيبته‏,‏ ويجبر تقصيره‏,‏ ويوفيه حقه كاملا غير منقوص حتي لو لم تمكنه قدراته من اداء عباداته علي الوجه الامثل‏,‏ وفي ذلك يروي عن ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ قوله ان رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قال‏:‏ اذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجزه عن العمل كتب له ما كان يعمل‏.‏ كذلك روي البخاري عن ابي موسي الاشعري‏(‏ رضي الله تعالي عنه‏)‏ قوله‏:‏ ان رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قال‏:‏ اذا مرض العبد او سافر كتب له من الاجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما‏.‏

فسواء كان المقصود بالارتداد الي اسفل السافلين في الايه الكريمه هو الارتداد في الدنيا الي ارذل العمر وما فيه من ضعف وعجز بعد قوه وقدره‏,‏ يتدارك فيه الله‏(‏ تعالي‏)‏ برحمته كل مؤمن صالح ويدع كل كافر ومشرك لقدره‏,‏ او كان المقصود الارتداد الي الاخره واهوالها وعذابها حيث ينجي الله برحمته المؤمنين الصالحين ويوفيهم اجورهم بغير نقص ولا منه‏,‏ ويلقي بالكافرين والمشركين والمنافقين الضالين وعتاه المجرمين الي اسفل دركات النار‏,‏ فالايات الكريمه تتسع للمعنيين معا ولما هو فوقهما من معان في نفس السياق‏,‏ والله‏(‏ تعالي‏)‏ اعلي واعلم‏.‏
والقضيه الثانيه التي يدور حولها محور سوره التين هي قضيه الدين الذي انزله ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي فتره من الرسل تجاوز عددهم الثلاثمائه وخمسه عشر رسولا‏,‏ اختارهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ من بين مائه وعشرين الف نبي‏,‏ بعثوا كلهم بالاسلام‏,‏ ودعوا الي توحيد الله الخالق بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبه ولا ولد‏,‏ وان اختلفت تفاصيل التشريعات من عصر الي اخر‏,‏ الا ان دعوتهم جميعا لاممهم كانت بلا ادني خلاف هي‏:‏

‏..‏ ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره‏..‏
‏(‏الاعراف‏:85,73,65,59,‏ هود‏:84,61,50)‏
وقد اكمل ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ رسالته الي خلقه واتمها وختمها ببعثه النبي الخاتم والرسول الخاتم‏,‏ سيد الاولين والاخرين‏,‏ سيدنا محمد بن عبدالله‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏).‏ ولكونها الرساله الخاتمه فقد انزل ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ البشري بها في الرسالات السابقه علي نزولها‏,‏ وتعهد‏(‏ جلت قدرته‏)‏ بحفظها بنفس لغه وحيها‏(‏ اللغه العربيه‏),‏ فحفظت حرفا حرفا‏,‏ وكلمه كلمه‏,‏ علي مدي يزيد علي الاربعه عشر قرنا والي ان يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الارض ومن عليها‏.‏

وهذا الحفظ بذاته هو ضرب من الاعجاز الذي لم تتمتع به الكتب السماويه الاخري‏,‏ وقد ترك حفظها لاقوامها فضيعوها بالكامل‏,‏ او عرضوها لقدر من التحريف الذي اخرجها عن اطارها الرباني وجعلها عاجزه عن هدايه البشريه‏,‏ وليس ادل علي ذلك من بحار الدم والخراب والدمار الذي تغرق فيه ارض فلسطين اليوم باسم موسي ويعقوب واسحاق وابراهيم‏(‏ عليهم من الله السلام‏)‏ وهم من ذلك براء‏,‏ والذي يغرق ارض كل من العراق وافغانستان باسم عيسي بن مريم‏(‏ عليه السلام‏),‏ وهو برئ مما يرتكبون من جرائم واثام وتعديات علي ابسط حقوق الانسان‏...,‏ والذي يغرق كثيرا من اهل الارض المستضعفين باسم الدين‏,‏ والدين من هؤلاء المعتدين براء‏...!!‏
ولذلك جاء الخطاب في ختام سوره التين موجها الي كل كافر ومشرك بصيغه من صيغ الاستفهام الاستنكاري التوبيخي التقريعي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

فما يكذبك بعد بالدين‏*‏ اليس الله باحكم الحاكمين‏*‏
‏(‏ التين‏:8,7)‏
اي‏:‏ فاي شئ يضطرك ايها الكافر او المشرك الي الكفر بالله‏(‏ تعالي‏)‏ او الشرك به‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بعد ما تبينت لك شواهد قدرته المبدعه في الخلق‏,‏ والداله دلاله قاطعه علي قدرته‏(‏ تعالي‏)‏ علي البعث بعد الموت‏,‏ وعلي الحساب والجزاء في الاخره‏,‏ وهي من الحقائق التي نزلت بها كل رسالات السماء‏,‏ واكدتها الرساله الخاتمه المحفوظه بحفظ الله‏,‏ مما يضع كل كافر ومشرك وظالم في هذه الحياه في مصاف المكذبين بالدين‏,‏ المنكرين لحقيقه ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو احكم الحاكمين‏,‏ الذي اتقن كل شئ خلقه‏,‏ واحكم قضاء كل امر بالحق‏,‏ وبالعدل بين الخلق‏,‏ والاستفهام في ختام هذه السوره المباركه هو من نوع الاستفهام التقريري لما جاء بعد النفي‏,‏ ولذلك يروي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله الشريف‏:..‏ فاذا قرا احدكم‏(‏ والتين والزيتون‏)‏ فاتي اخرها‏:(‏ اليس الله باحكم الحاكمين‏)‏ فليقل‏:‏ بلي وانا علي ذلك من الشاهدين‏.‏

وروي مالك عن البراء بن عازب قال‏:‏ كان النبي صلي الله عليه وسلم يقرا في سفره في احدي الركعتين بالتين والزيتون‏,‏ فما سمعت احدا احسن صوتا او قراءه منه‏.‏
وسوره التين هي السوره القرانيه الوحيده التي سميت باسم ثمره من ثمار الفاكهه‏,‏ ومن الثمار النباتيه علي الاطلاق‏,‏ وقد ذكر فيها التين مره واحده‏,‏ وهي المره الوحيده التي ذكر فيها التين في القران الكريم‏,‏ بينما جاء ذكر كل من الزيتون وزيته في ست ايات قرانيه اخري‏,‏ وبذلك يكون التين قد ذكر في القران الكريم مره واحده‏,‏ بينما ذكر الزيتون وزيته سبع مرات‏.‏

وتبدا السوره بقسم من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بكل من التين والزيتون‏,‏ وربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ غني عن القسم لعباده‏,‏ ولكن المقصود من القسم هو التنبيه الي الاهميه الغذائيه الكبري لهاتين الثمرتين المباركتين والي بركه منابتهما الاصليه‏.‏
فقد روي عن ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ قوله‏:‏ هو تينكم الذي تاكلون‏,‏ وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت ولكن نظرا للعطف علي هذا القسم بقسم اخر‏,‏ بمكانين مباركين هما طور سينين‏,‏ والبلد الامين في قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
والتين والزيتون‏*‏ وطور سينين‏*‏ وهذا البلد الامين‏*.(‏ التين‏:1‏ ‏3)‏

لجا بعض المفسرين الي استنتاج الدلاله بالتين والزيتون علي منابتهما الاصليه من الارض‏.‏ فطور سينين هو الجبل الذي نودي موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ من جانبه في شبه جزيره سيناء‏(‏ او سينا‏)‏ ومعناها في اللغه المباركه الحسنه‏,‏ والجبل معروف اليوم باسم جبل موسي‏(‏ او جبل المناجاه‏),‏ والبلد الامين هو مكه المكرمه‏,‏ وحرمها الامن‏,‏ وبها الكعبه المشرفه‏,‏ اول بيت وضع للناس‏,‏ وعلاقه هذين المكانين المباركين بوحي السماء لاينكرها الا جاحد للحق‏.‏
وعطف القسم بهذين المكانين المباركين علي القسم بكل من التين والزيتون اوحي الي عدد من المفسرين الي الاستنتاج بان القسم بهاتين الثمرتين قد يتضمن من احد جوانبه الاشاره الي كرامه منابتهما الاصليه من الارض‏,‏ وذلك من مثل كل من بيت المقدس وبجواره طور زيتا‏,‏ وبه المسجد الاقصي المبارك الذي ندعو الله‏(‏ تعالي‏)‏ ان يطهره من دنس اليهود‏,‏ وان يحرره ويحرر ارض فلسطين كلها من احتلالهم الجائر البغيض‏,‏ ويحرر جميع اراضي المسلمين المحتله والمغصوبه من ربقه المحتلين والغاصبين من الكفار والمشركين‏,‏ اعداء الله واعداء الدين‏(‏ اللهم امين امين امين يارب العالمين‏).‏

ومن اشهر منابت كل من التين والزيتون‏(‏ بانواعهما المتميزه‏)‏ بلاد الشام وجنوب شرقي تركيا‏,‏ والاولي بها طور تينا بجوار دمشق‏,‏ وهي ارض المحشر‏,‏ والثانيه بها مرسي سفينه نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ وبقايا مسجده علي جبل الجودي‏.‏
وعلي الجانب الاخر فان كلا من طور سيناء‏,‏ وبيت المقدس‏,‏ ومكه المكرمه قد بعث الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فيه نبيا من انبيائه ورسولا من اولي العزم من رسله‏,‏ فبيت المقدس بعث الله‏(‏ سبحانه و تعالي‏)‏ فيه عبده ونبيه ورسوله عيسي بن مريم‏(‏ عليهما السلام‏),‏ وطور سينين كلم الله‏(‏ جلت قدرته‏)‏ عنده عبده ونبيه ورسوله موسي بن عمران‏(‏ عليه السلام‏),‏ ومكه المكرمه زارها معظم انبياء الله ورسله‏,‏ ومدفون بها عدد كبير منهم‏,‏ ثم بعث الله‏(‏ تعالي‏)‏ فيها خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

وان كانت الصياغه القرانيه في مطلع سوره التين واضحه الدلاله علي الثمرتين اللتين تؤكلان باسم التين والزيتون‏,‏ الا ان ذلك لاينفي الاشاره الي منابتهما من الارض حتي يرتبط السياق بالقسم التالي بمكانين من اشرف اماكن الارض‏,‏ وفيها مكه المكرمه اشرفها علي الاطلاق‏.‏
وبعد القسم بكل من التين‏,‏ والزيتون‏,‏ وطور سينين‏,‏ والبلد الامين ياتي جواب القسم بالامر المقسم عليه وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم‏*‏ ثم رددناه اسفل سافلين‏*‏ الا الذين امنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون‏*‏
‏(‏التين‏:4‏ ‏6)‏

ثم ختمت السوره الكريمه باستفهام استنكاري‏,‏ توبيخي‏,‏ تقريعي لكل كافر ومشرك وظالم وضال عن الحق يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
فما يكذبك بعد بالدين‏*‏ اليس الله باحكم الحاكمين‏*(‏ التين‏:8,7)‏

ولا نملك هنا الا ان نقول‏:‏ بلي‏,‏ وانا علي ذلك من الشاهدين كما علمنا خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

من اسس العقيده في سوره التين

‏(1)‏ ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق الانسان في احسن تقويم‏,‏ ثم يرد الكفار والمشركين والظلمه الطاغين المتجبرين علي الخلق‏,‏ والعصاه الضالين المضلين المفسدين في الارض الي اسفل سافلين في الدنيا بضعفهم وهزالهم وامراضهم عند الكبر خاصه عندما يردون الي ارذل العمر‏,‏ وفي الاخره عندما يدعون الي الدرك الاسفل من النار دعا‏,‏ اما الذين امنوا وعملوا الصالحات فيكرمهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الدنيا برعايته وعنايته وفضله وكرمه وجوده ومنه وعطائه واحسانه‏,‏ ورحمته‏,‏ وفي الاخره بادخالهم في نعيم جناته ورضوانه‏,‏ وباعطائهم اجورهم كامله غير منقوصه‏,‏ ولا ممنونه‏.‏
‏(2)‏ ان الدين الوحيد الذي يرتضيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده هو الاسلام الذي انزله ربنا‏(‏ تقدست اسماؤه‏)‏ علي فتره من الرسل‏,‏ ثم اكمله واتمه وحفظه بنفس لغه وحيه‏(‏ اللغه العربيه‏)‏ في رسالته الخاتمه التي بعث بها النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ عليه افضل الصلاه وازكي التسليم‏).‏

‏(3)‏ ان الايمان الصادق يستتبع العمل الصالح‏.‏
‏(4)‏ ان الذي يكذب بالدين الخاتم مطرود من رحمه رب العالمين‏,‏ محكوم عليه بالشقاء في الدنيا والاخره‏,‏ وان كثر ماله وجاهه وسلطانه‏.‏
‏(5)‏ ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو احكم الحاكمين‏.‏

من الاشارات الكونيه في سوره التين
‏(1)‏ القسم بكل من التين والزيتون اشاره الي ما فيهما من قيمه غذائيه كبيره وتكامل في المحتوي كغذاء للانسان‏.‏ واشاره كذلك الي بركه منابتهما الاصليه وهي من الاماكن المقدسه في الاسلام‏,‏ منذ خلق الله السموات والارض‏.‏
‏(2)‏ القسم بطور سينين وهو الجبل المكسو بالخضره الذي كلم الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ عبده ونبيه ورسوله موسي بن عمران من جانبه‏,‏وهو بالقطع مكان مبارك‏.‏

‏(3)‏ القسم بالبلد الامين وهو مكه المكرمه‏,‏ وحرمها الامن‏,‏ وبها الكعبه المشرفه‏,‏ اول بيت وضع للناس والعلوم المكتسبه تثبت شرف المكان وتميزه علي جميع بقاع الارض‏.‏
‏(4)‏ الاشاره الي خلق الانسان في احسن تقويم‏.‏

‏(5)‏ الاشاره الي امكانيه ارتداد الانسان الي اسفل سافلين في الدنيا والاخره‏,‏ وهو اشرف مخلوقات الله اذا كان مؤمنا صالحا‏,‏واحقر هذه المخلوقات وابغضها الي الله اذا كان كافرا او مشركا او ظالما متجبرا‏,‏ اوفاسقا فاجرا‏,‏ والعلوم السلوكيه تثبت هذا الارتداد الدنيوي الي اسفل سافلين عند كثير من البشر في ايامنا هذه‏.‏
وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي معالجه مستقله‏,‏ ولذلك فسوف اقصر حديثي هنا علي القسم الذي جاء بالايات الثلاث الاولي من هذه السوره المباركه‏,‏ ولكن قبل البدء في ذلك لابد من استعراض سريع لاقوال عدد من المفسرين في شرح دلاله هذه الايات الثلاث‏.‏

من اقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏)‏
والتين والزيتون‏*‏ وطور سينين‏*‏ وهذا البلد الامين‏*‏
‏(‏التين‏:1‏ ‏3)‏
‏*‏ ذكر الطبري‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:(‏ والتين والزيتون‏)‏ قيل هو التين الذي يؤكل‏,‏ والزيتون الذي يعصر‏,‏ اقسم الله بهما‏,‏ وجاء فيه اختلاف‏(‏ وطور سينين‏)‏ جبل معروف‏,‏ قيل هو جبل موسي عليه السلام ومسجده‏(‏ وهذا البلد الامين‏)‏ الامن من اعدائه ان يحاربوا اهله او يغزوهم‏,‏ عني به مكه المكرمه‏....‏

‏*‏ وجاء في مختصر تفسير ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما نصه‏:‏ اختلف المفسرون ههنا علي اقوال كثيره فقيل‏:‏ المراد بالتين دمشق‏,‏ وقيل‏:‏ الجبل الذي عندها‏,‏ وقال القرطبي‏:‏ هو مسجد اصحاب الكهف‏,‏ وروي عن ابن عباس‏:‏ انه مسجد نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ الذي علي الجودي‏,‏ وقال مجاهد‏:‏ هو تينكم هذا‏,(‏ والزيتون‏)‏ قال قتاده‏:‏ هو مسجد بيت المقدس‏,‏ وقال مجاهد وعكرمه‏:‏ هو هذا الزيتون الذي تعصرون‏,(‏ وطور سينين‏)‏ هو الجبل الذي كلم الله عليه موسي عليه السلام‏,(‏ وهذا البلد الامين‏)‏ يعني مكه‏,‏ قال ابن عباس ومجاهد‏,‏ وقال بعض الائمه‏:‏ هذه محال ثلاثه‏,‏ بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من اولي العزم‏,‏ اصحاب الشرائع الكبار‏.(‏ فالاول‏)‏ محله التين والزيتون وهي‏(‏ بيت المقدس‏)‏ التي بعث الله فيها عيسي بن مريم عليه السلام و‏(‏الثاني‏)‏ طور سينين وهو‏(‏ طور سيناء‏)‏ الذي كلم الله عليه موسي بن عمران‏,(‏ والثالث‏)‏ مكه المكرمه وهي‏(‏ البلد الامين‏)‏ الذي من دخله كان امنا‏,‏ وهو الذي ارسل فيه محمدا‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)..‏
‏*‏ وجاء في كل من تفسير الجلالين‏,‏ والظلال‏,‏ وصفوه البيان‏,‏ والمنتخب‏,‏ وصفوه التفاسير كلام مشابه مع التركيز علي راي دون الاخر ولا اري حاجه الي تكرار ذلك هنا‏.‏

من الدلالات العلميه للايات القرانيه الكريمه في مطلع سوره التين
اولا‏:‏ في القسم بالتين‏:‏
يبدو والله‏(‏ تعالي‏)‏ اعلم ان القسم بالتين جاء لتنبيهنا الي ما في هذه الثمره المباركه من اعجاز في خلقها‏,‏ ومن منافع جمه في تناولها كغذاء‏.‏

من اعجاز الخلق في ثمره التين‏:‏
ثمره التين هي ثمره غير حقيقيه مركبه‏,‏ تتكون نتيجه لنمو نوره مخروطيه الشكل تحوي بداخلها الازهار المؤنثه التي تبطن جدار النوره من الداخل‏,‏ والازهار المذكره التي تنتشر حول الفتحه الخارجيه للنوره‏,‏ وهي فتحه ضيقه في اعلي النوره‏,‏ وتنضج الازهار المؤنثه عاده قبل نضج الازهار المذكره‏,‏ ولذلك يسخر الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ حشره خاصه تعرف باسم ذات البلعوم المتفجر‏(
Blastophaga)‏ تقوم بتلقيح نورات التين من خلال منفعه متبادله بينهما‏,‏ تقوم فيها نورات شجره التين بتهيئه المكان الدافيء الامين للحشره تضع فيه بيضها حتي يفقس‏,‏ ثم تغذي صغارها حتي يكتمل نموها‏,‏ وعند خروجها من النوره يحتك جسمها بالازهار المذكره فيتعفر بحبوب اللقاح التي تحملها الي الازهار المؤنثه‏,‏ فتتم بذلك عمليه الاخصاب اللازمه لاثمار شجره التين‏.‏
ويتكون علي شجره التين سنويا ثلاثه اجيال من النورات‏,‏ الجيل الاول منها يحمل ازهارا مذكره واخري حاضنه للحشرات‏,‏ وتحمل نورات الجيل الثاني ازهارا مؤنثه فقط تلقحها الحشرات الخارجه من نورات الجيل الاول فتخصبها وبذلك تمثل المحصول الرئيسي لشجره التين‏,‏ اما نورات الجيل الثالث فتحوي ازهارا حاضنه للحشره المتعايشه معها فقط‏,‏ وفيها تقضي الحشره فصل الشتاء‏.‏

فمن الذي وضع هذا النظام الرتيب لاثمار شجره التين غير الله الخالق؟ ومن الذي دل تلك الحشره علي مسكنها في نوره شجره التين كي تخصبها بحركتها من نوره الي اخري غير الله الخالق؟ والعلاقه بين نوره التين وهذه الحشره تعتبر من اعجب العلاقات المعروفه لنا بين النبات والحيوان‏.‏

من منافع ثمره التين‏:‏
تحتوي ثمره التين علي نسبه عاليه من الكربوهيدرات تصل الي‏53%‏ من وزنها‏,‏ اغلبها من السكريات الاحاديه والمركبات النشويه‏,‏ بالاضافه الي نسبه صغيره من البروتينات في حدود‏3.6%,‏ ونسب اقل من املاح كل من البوتاسيوم‏,‏ الكالسيوم‏,‏ المغنيسيوم‏,‏ الفوسفور‏,‏ الحديد‏,‏ النحاس‏,‏ الزنك‏,‏ الكبريت‏,‏ الصوديوم والكلور‏,‏ كما تحتوي ثمره التين علي العديد من الفيتامينات‏,‏ والانزيمات‏,‏ والاحماض‏,‏ والمواد المطهره‏,‏ بالاضافه الي نسبه كبيره من الالياف‏(‏ تصل الي‏18.5%)‏ ونسبه اكبر من الماء‏.‏ وعلي ذلك فهي ثمره غنيه بمواد عديده وبنسب منضبطه يحتاجها الانسان في غذائه‏.‏
ومن الانزيمات الخاصه بالتين ما يعرف باسم انزيم التين او انزيم فيسين‏(
Ficin)‏ ثبت ان له دورا مهما في عمليه هضم الطعام‏.‏

وقد تمكن اليابانيون من اثبات وجود مركب كيميائي من نوع الالدهيدات الاروماتيه في ثمره التين يعرف باسم البنزالدهايد‏(
Benzaldehyde)‏ وتركيبه الكيميائي‏(C6H5CHO),‏ وقد تم عزله من ثمار التين‏,‏ وثبت ان له قدره علي مقاومه مسببات الامراض السرطانيه‏.‏
كذلك اكتشفت في ثمره التين مجموعه من المركبات النشويه التي تعرف باسم مجموعه السورالينز ثبت انها تلعب دورا فعالا في حمايه الدم من اعداد من الفيروسات والبكتيريا‏,‏ والطفيليات التي تتسبب في كثير من الامراض من مثل فيروس الالتهاب الكبدي‏.‏

وتوجد هذه المجموعه بوفره في ثمار التين‏,‏ وفي الدبس الناتج عنه‏,‏ وفي كل من عصائره‏,‏ وانواع المربات المصنوعه منه‏.‏
كذلك ثبت ان للتين فوائد عديده في ادرار اللبن وفي علاج حالات البواسير‏,‏ والامساك المزمن‏,‏ والنقرس‏,‏ وامراض الصدر‏,‏ واضطراب الحيض‏,‏ وحالات الصرع‏,‏ وتقرحات الفم‏,‏ والتهابات كل من اللثه واللوزتين والحلق‏,‏ وفي علاج مرض البهاق‏,‏ وفي ازاله الثاليل‏,‏ وفي اندمال الجروح والتقرحات المختلفه‏,‏ ولذلك روي ابو الدرداء‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ ان رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قال‏:‏

لو قلت‏:‏ ان فاكهه نزلت من الجنه قلت التين‏,‏ لان فاكهه الجنه بلا عجم‏,‏ كلوا منه فانه يقطع البواسير وينفع النقرس‏.‏
من هنا كان القسم بالتين في القران الكريم وتسميه سوره من سوره باسم سوره التين‏.‏

ثانيا‏:‏ في القسم بالزيتون‏:‏
جاء ذكر الزيتون وزيته في سبعه مواضع مختلفه من كتاب الله‏,‏ منها القسم به مع التين في مطلع سوره التين‏,‏ وشجره الزيتون شجره مباركه وكذلك ثمرتها‏,‏ فهي شجره معمره قد تعيش لاكثر من الف سنه‏,‏ وتعتبر من اهم نباتات الزيوت‏,‏ ويعتبر زيتها من اصح الزيوت لاحتوائه علي نسبه ضئيله من الاحماض الدهنيه‏,‏ وان ما به من دهون هي دهون غير مشبعه ولذلك لا تتسبب فيما تتسبب فيه بقيه الزيوت من ارتفاع نسبه الدهون الضاره بالدم مما يؤدي الي تصلب الشرايين وضيقها وانسدادها‏,‏ وارتفاع ضغط الدم‏,‏ وغيرها من الامراض‏.‏
وزيت الزيتون سائل اصفر اللون شفاف‏,‏ غني بالاحماض الزيتيه‏(
Oleicacids)‏ يستخدم في الطبخ وفي الاضافه الي السلطات ويلعب دورا مهما في منع اكسده الكوليسترول الذي يفرزه جسم الانسان وذلك لاحتوائه علي فيتامين ه‏,‏ وعلي قدر من المركبات الكيميائيه الاخري تعرف باسم مركبات الفينولات العديده‏(PolyphenolicCompounds)‏ التي تمنع التاكسد الذاتي للزيت وتحافظ علي ثباته‏,‏ وبذلك يقي الجسم من اخطار فوق اكاسيد الشحوم‏(LipidPeroxides)‏ وهي من المواد الضاره بجسم الانسان‏.‏

وعلي ذلك فان تناول زيت الزيتون بانتظام يؤدي الي خفض المستوي الكلي للكوليسترول في الدم بصفه عامه‏,‏ والي خفض الانواع الضاره منه بصفه خاصه‏,‏ والي خفض معدل الاصابه بامراض القلب والسرطان بصفه اخص‏.‏
وبالاضافه الي استخداماته العديده في الطعام فان زيت الزيتون يستخدم في انتاج العديد من الادويه والدهانات الطبيه‏,‏ وزيوت الشعر‏,‏ والصابون‏,‏ وبه كانت توقد المصابيح لصفاء اللهب الناتج عن اشتعاله‏.‏

وتثمره الزيتون القابله للتخزين بالتمليح تعتبر اداما للطاعمين‏,‏ وصبغا للاكلين‏,‏ بالاضافه الي كونها فاتحه للشهيه‏.‏ وثمره الزيتون تحوي بين‏67%,84%‏ من وزنها زيتا‏,‏ ويتكون زيت الزيتون من عدد من المركبات الكيميائيه الهامه منها مركبات الجلسرين والاحماض الدهنيه والتي تعرف باسم الجليسريدات‏(
Glycerides),‏ ويكون الحمض الدهني نسبه كبيره من وزن الزيت‏,‏ ومن اوفر الاحماض الدهنيه في الزيتون وزيته ما يعرف باسم حمض زيت الزيتون‏(OleicAcid)‏ بالاضافه الي كميات قليله من حمض زيت النخيل‏(PalmaticAcid),‏ وحمض زيت الكتان‏LinolicAcid)),‏ وحمض الشمع‏(StearicAcid)‏ والحمض الغامض‏(MystricAcid).‏
وبالاضافه الي ذلك يحتوي الزيتون وزيته علي نسبه متوسطه من البروتينات‏,‏ ونسب اقل من عناصر البوتاسيوم‏,‏ والكالسيوم‏,‏ والمغنيسيوم‏,‏ والفوسفور‏,‏ والحديد‏,‏ والنحاس والكبريت وغيرها مع نسبه من الالياف‏,‏ وتدخل هذه المكونات في بناء حوالي الالف من المركبات الكيميائيه النافعه لجسم الانسان والضروريه لسلامته‏.‏

لذلك كله‏,‏ ولغيره الكثير مما لا نعلم من اسرار الزيتون يروي امير المؤمنين عمر بن الخطاب‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ انه قال‏:‏
كلوا الزيت وادهنوا به فانه من شجره مباركه‏.‏

وكذلك يروي عن معاذ بن جبل‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ انه قال‏:‏ سمعت النبي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يقول‏:‏ نعم السواك الزيتون‏,‏ من الشجره المباركه‏,‏ وهي سواكي وسواك الانبياء من قبلي‏.‏
ومن هنا كان القسم القراني بالزيتون‏,‏ وكان ذكره وذكر زيته في سبع مواضع مختلفه من كتاب الله‏,‏ والزيتون وزينه غنيان بالدهون والبروتينات فقيران في الكربوهيدرات‏(‏ السكريات والنشويات‏),‏ بينما التين غني بالسكريات والمركبات النشويه وفقير في المواد الدهنيه والبروتينيه ومن هنا كان التين والزيتون معا يكملان حاجه الانسان من المواد الغذائيه‏,‏ ومن هنا ايضا كان القسم بهما معا في مطلع سوره التين‏,‏ وهي لفته علميه معجزه في كتاب انزل من قبل الف واربعمائه من السنين‏.‏

ثالثا‏:‏ القسم بطور سينين‏:‏
وهو طور سيناء او جبل موسي او جبل المناجاه الذي انزلت فيه التوراه علي موسي‏(‏ عليه السلام‏),‏ وقد ذكره ربنا تبارك وتعالي في اثنتي عشره ايه من ايات القران الكريم‏(‏ البقره‏:93,63,‏ النساء‏:154,‏ الاعراف‏:171,143,‏ مريم‏:52,‏ طه‏:80,‏ المؤمنون‏:20,‏ القصص‏:46,29,‏ الطور‏:1,‏ التين‏:2),‏ وسميت باسمه احدي سوره‏(‏ سوره الطور‏),‏ وهو بالقطع وسكان مبارك‏,‏ جدير بالقسم به‏,‏ ويبقي لعلماء الارض دراسته لاثبات ما به من معجزات حسيه باقيه عن عمليه دكه‏,‏ ورفعه ونتقه فوق الحثالات العاصيه من بني اسرائيل كما جاء في اكثر من ايه من ايات القران الحكيم‏.‏

رابعا‏:‏ القسم بالبلد الامين‏:‏
وهو مكه المكرمه‏,‏ وبها الكعبه المشرفه‏,‏ اول بيت وضع للناس‏,‏ وقد روي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله الشريف‏:‏ كانت الكعبه خشعه علي الماء‏,‏ فدحيت منها الارض مما يفيد بان الارض تحت الكعبه المشرفه هي اول يابسه ظهرت علي وجه ماء المحيط الغامر الذي بدات به الارض‏,‏ ثم نمت اليابسه من حول هذه البقعه المباركه لتكون قاره واحده هي القاره الام المعروفه باسم بانجيا‏(
Pangaea),‏ والتي تفتتت الي القارات السبع الحاليه‏.‏ وكانت تلك القارات السبع اقرب الي بعضها البعض ثم اخذت في الانزياح متباعده عن بعضها البعض او التصادم مع بعضها البعض حتي وصلت الي اوضاعها الحاليه‏,‏ وقد ثبت علميا توسط مكه لليابسه في كل مراحل نمو تلك اليابسه بمعني اننا اذا رسمنا دائره مركزها مكه المكرمه فانها تحيط باليابسه تماما‏,‏ ولذلك قال ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ان اول بيت وضع للناس للذي ببكه مباركا وهدي للعالمين‏.(‏ ال عمران‏:96)‏

والايات القرانيه الكريمه التي تقابل الارض‏(‏ علي ضاله حجمها‏)‏ بالسماء‏(‏ علي ضخامه ابعادها‏)‏ تشير الي مركزيه الارض من الكون‏,‏ وكذلك الايات التي تتحدث عن البينيه الفاصله للسماوات عن الارض‏,‏ وتلك التي توحد اقطار السماوات والارض‏.‏
واذا كانت الارض في مركز الكون‏,‏ والكعبه المشرفه في مركز الارض الاولي‏(‏ اليابسه‏),‏ ومن دونها ست ارضين‏,‏ ومن حولها سبع سماوات فان الكعبه المشرفه تصبح في مركز‏/‏ مركز الكون‏,‏ ولذلك قال المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ ان الحرم حرم مناء بين السماوات السبع والارضين السبع‏).‏

واكد ذلك بقوله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ يا معشر قريش‏,‏ يا اهل مكه انكم بحذاء وسط السماء وبسؤاله الشريف لصحابته الكرام‏:‏ اتدرون ما البيت المعمور ؟ قالوا‏:‏ الله ورسوله اعلم‏,‏ فقال‏(‏ عليه الصلاه والسلام‏):‏ هو بيت في السماء السابعه بحيال الكعبه تماما حتي لو خر لخر فوقها‏,‏ يدخله كل يوم سبعون الف ملك فاذا خرج اخرهم لا يعودون‏.‏
هذه الكرامات كلها جعلت من مكه المكرمه قبله للمسلمين‏,‏ ومحجا ومعتمرا لهم‏,‏ وجعلت الصلاه فيها بمائه الف صلاه‏,‏ وجعلتها مهوي للانبياء والمرسلين كما ذكر المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فقال‏:‏ كان النبي من الانبياء اذا هلكت امته لحق بمكه فتعبد فيها النبي ومن معه حتي يموت‏,‏ فمات بها نوح‏,‏ وهود‏,‏ وصالح‏,‏ وشعيب وقبورهم بين زمزم والحجر‏(‏ الازرقي اخبار مكه‏).‏

ودفن بها كل من اسماعيل‏(‏ عليه السلام‏)‏ وامه السيده هاجر‏(‏ رضي الله عنها‏)‏ وهما مدفونان في حجر اسماعيل‏.‏
واختار الله‏(‏ تعالي‏)‏ مكه المكرمه مولدا ومبعثا لخاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ واقسم بها في كل من سوره التين‏,‏ وسوره البلد التي سماها باسمها‏,‏ واطلق عليها وصف ام القري اي اصل اليابسه‏,‏ وام الارض كلها‏,‏ ومن هنا كانت جدارتها للقسم بها وبوصف البلد الامين في سوره التين‏.‏ وبالاسم المطلق البلد في سوره البلد‏.‏

هذه الحقائق العلميه عن كل من التين والزيتون‏,‏ وعن مكه المكرمه‏,‏ البلد الامين‏,‏ والحقائق التاريخيه والدينيه عن نداء الله‏(‏ تعالي‏)‏ لعبده ونبيه موسي بن عمران‏(‏ عليه السلام‏)‏ من جانب الطور الايمن لم تكن معروفه لاهل الجزيره العربيه‏,‏ ولا لاحد من الخلق في زمن الوحي من قبل الف واربعمائه من السنين‏,‏ ولا لقرون متطاوله من بعده‏,‏ والقسم بها في سوره التين مما يقطع بان القران الكريم لايمكن ان يكون صناعه بشريه‏,‏ بل هو كلام الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ ويجزم بنبوه النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وبانه كان حتما موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والارض‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏,‏ فالحمد لله علي نعمه القران‏,‏ والحمد لله علي نعمه الاسلام‏,‏ والحمد لله علي الدوام الي ان نلقاه وهو راض عنا ان شاء بفضله‏,‏ وجوده‏,‏ ومنه‏,‏ وعطائه‏,‏ ورحمته‏,‏ وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ ارحم الراحمين‏,‏ واكرم الاكرمين‏,‏ وهو‏(‏ تعالي‏)‏ يقول الحق ويهدي الي سواء السبيل‏.‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق