حياكم الله - أعزائي في هذه الزاوية أخترت لكم بعض المواضيع التي تبين أسرار القرآن الكريم و آياته و السنّة النبوية ، و عظمة هذا الكون و اتساعه لنتدبر و نتفكـّر فيهما. كما قال تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. أو لم يكفي بربك أنه على كل شيء قدير. و أرجو المعذرة لأي تقصير أو خطأ.فلست بعالم و لا فقيه ما أنا إلا طالب.
الأربعاء، 28 أكتوبر 2009
من أسرار القرآن 06
من أسرار القرآن 06
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزيدلالتها العلمية(20)
وفي السماء رزقكم وما توعدون
بقلم الدكتور:زغـلولالنجـار
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سورة الذاريات بقسم عظيمبأربع من آيات الله في الكون ــ والله تعالي غني عن القسم لعباده ــ بأن وعدهلصادق, وأن الدين الإسلامي الذي أنزله علي فترة من الرسل, والذي أتمه وأكمله فيبعثة خاتم أنبيائه ورسله صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين لحقواقع....!!! ثم يكرر ربنا( سبحانه وتعالي) القسم بالسماء ذات الحبك علي أنالناس مختلفون في أمر يوم الدين بين مكذب ومصدق, وتستعرض الآيات حال كل منالمجموعتين في هذا اليوم العصيب, ثم تعود إلي الاستدلال بآيات الله في كل منالأرض والأنفس والآفاق ومنها قول الحق( تبارك وتعالي): وفي السماء رزقكم وماتوعدون
ثم يأتي القسم الحاسم الجازم برب السماء والأرض ان هذا كلهحق, كما ينطق المنكرون في هذه الحياة الدنيا, وهم يدركون حقيقة ما ينطقون,فلا يجوز لهم أن يشكوا فيه أو أن ينكروه كما لا يشكون في نطقهم الذيينطقون...!! وبعد ذلك تتحرك بنا السورة إلي عرض شيء من الوقائع التاريخية منقبيل ضرب المثل, واستخلاص العبر, والدعوة إلي إخلاص العبادة لله وحده( بغيرشريك ولا شبيه ولامنازع), وذلك من مثل قصص سيدنا إبراهيم( عليه السلام) معضيفه وقومه, وسيدنا لوط( عليه السلام) وما حاق بقومه من عذاب, وسيدناموسي( عليه السلام) وفرعونه الذي أغرقه الله( تعالي) وجنده في اليم, وقومعاد وطمرهم بالرمال السافية, وقوم ثمود الذن دمروا بالصاعقة, وقوم نوح( عليهالسلام) الذين أغرقوا بالطوفان لفسقهم...!!
وتعاود السورة الكريمة القسم بالسماء وتوسيع الله المستمرلها, وبالأرض وفرشها وتمهيدها, وخلق كل شيء من زوجين تأكيدا لوحدانية الله(تعالي) المطلقة فوق جميع خلقه..!!! ثم تعرج بنا السورة إلي حقيقة أن كل رسولجاء بالحق من رب العالمين قد اتهمه الكفار من قومه بالسحر أو بالجنون ظلما وطغيانامن عند أنفسهم, وفي ذلك مواساة من رب العباد الذي يطالب خاتم أنبيائه ورسلهبالاستمرار في التذكير بالله, والدعوة إلي دينه الحق علي الرغم من كل ذلك, لعلالذكري تنفع المؤمنين.
والهدف من هذا الاستعراض المكثف لآيات الله في الكون,والاستعراض الخاطف لقصص عدد من الأمم البائدة هو وصل العباد بخالقهم, وربط قلوبهمبعوالم الغيب, كما يصفها خالق الكون ومبدع الوجود لا كما تتصورها أوهام الغافلينالضالين من الكفار والمشركين. والذي يرتبط قلبه بخالقه, ويؤمن بالغيب, كماأنزله في محكم كتابه, وسنة نبيه, تخطي الدنيا الي الاخرة, دون أن يهملواجباته في الحياة, ودون أن تشغله التكاليف المادية لهذه الحياة عن إخلاص العبادةلله, وفي مقدمة تلك التكاليف الجري علي المعايش لكسب الرزق الحلال, والذي قديتخيل البعض أنه يمكن أن يشغل الإنسان عن رسالته الحقيقية في هذه الحياة والتيتتلخص في:
عبادة الله( تعالي) بما امر, وحسن القيام بواجبالاستخلاف في الأرض, وهما وجهان لعملة واحدة تمثل رسالة كل من الجن والإنس في هذهالحياة, والتي لخصها ربنا( تبارك وتعالي) في السورة نفسها بقوله( عز منقائل): وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون* ما أريد منهم من رزق وما أريد أنيطعمون* إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين*. (الذاريات:56ــ58).
هذا وقد تباينت آراء المفسرين في قول الحق( تباركوتعالي) وفي السماء رزقكم وما توعدون*.
بين قائل بالمطر, وقائل بالقرار الإلهي في تقسيم الرزقوتوزيعه بين العباد, وقائل بالثواب والعقاب أو بالجنة والنار, أو بها جميعاولكن الدراسات الكونية الحديثة قد اضافت بعدا جديدا, فأكدت أن جميع ما يحتاجهالإنسان والحيوان والنبات من الماء, ومن مختلف صور المادة والطاقة إنما ينزل إليالأرض من السماء بتقدير من الرزاق الحكيم العليم الذي ينزله بقدر معلوم لقوله( عزمن قائل): ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن: ينزل بقدر مايشاء إنه بعباده خبير بصير*( الشوري:27)
ولقوله( سبحانه)! وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم*.( الحجر:21)
رزق السماء في اللغة العربية
(الرزق) في اللغةالعربية هو ما ينتفع به من النعم, والجمع( أرزاق), و(الرزق) أيضا هوالعطاء الجاري دنيويا كان أم أخرويا, وهو كذلك النصيب المقسوم للإنسان فيصل إلييده سواء كان مما يصل إلي الجوف ويتغذي به,أو يكتسي ويتزين به, أو يتجمل به منمثل الخلق الحسن والعلم النافع يقال:( رزقه) الله( يرزقه)( رزقا) بكسرالراء,( والمصدر الحقيقي فتح الراء), والإسم يوضع موضع المصدر, و(ارتزق)بمعني أخذ( رزقه), و(الرزقة) ما يعطي دفعة واحدة, وقد تأتي لفظة(الرزق) بمعني( شكر الرزق) من مثل قوله( تعالي): وتجعلون رزقكم أنكمتكذبون( الواقعة:82) أي تجعلون نصيبكم من النعمة أو شكركم عليها أنكم تكذبونرسالات ربكم.
ويقال رجل( مرزوق) أي مجدود( محظوظ), وقد يعتبر كلمن المال والولد والجاه والعلم من( الرزق), كما قد يسمي المطر( رزقا),ويمكن أن يحمل( الرزق) علي العموم فيما يؤكل ويلبس ويستعمل, وكل ما يخرج منالأرض أو ينزل من السماء, و(الرازق) هو الله تعالي خالق( الرزق)ومعطيه, ومسببه, وموزعه بالقسط, وإن كانت هذه الصفة يمكن أن تستخدم للبشر,أما( الرزاق) فهو اسم من أسماء الله الحسني وصفة من صفاته العليا لا يوصف بهاغيره( سبحانه وتعالي). وعن( السماء) فهي اسم مشتق من( السمو) بمعنيالارتفاع والعلو, تقول:( سما),( يسمو)( سموا) فهو( سام) بمعني علا,يعلو علوا, فهو عال, أي مرتفع, وذلك لأن السين والميم والواو أصل يدل عليالارتفاع والعلو, يقال:( سموت) و(سميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعةوالعلو, وعلي ذلك فإن سماء كل شيء أعلاه, ولذلك قيل لسقف البيت سماءلارتفاعه, وقيل للسحاب سماء لعلوه, واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله منالسماء, وللعشب لارتباط منبته بنزول ماء السماء, ومن هنا قيل:( كل ما علاكفأظلك فهو سماء).
ولفظة( السماء) في العربية تذكر وتؤنث( وإن كانتذكيرها يعتبر شاذا), وجمعها( سماوات), وهناك صيغ أخري لجمعها ولكنهاغريبة.
رزق السماء في القرآن الكريم ورد الفعل( رزق)بمشتقاته في كتاب الله مائة وثلاثا وعشرين(123) مرة, تنسب الرزق إلي اللهتعالي, وإن كان بعضها يشير إلي إمكانية أن يرزق الإنسان غيره من البشر أو يتصدقعلي الحيوان, ومنها ما يشير إلي الرزق بمعني ما يطعم وما يشرب, أو بمعنيالمال, أو العلم, أو الجاه والسلطان, أو الأولاد والبنات والزوجاتالصالحات. أو ما تنتجه الأرض من ثمار, أو ما يرزق الله من بهيمة الأنعام, أومن المطرأو من غير ذلك من الثروات الأرضية منها والسماوية, أو من الأرزاقالاخروية من مثل رزق الشهداء عند ربهم, ورزق أهل الجنة في الجنة, وفي ذلك يقولربنا( تبارك وتعالي): ويعيدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماواتوالأرض شيئا ولا يستطيعون* ( النحل:73)
أي ويعبدون من دون الله من هم ليسوا بسبب في رزق بوجه منالوجوه لا من السماء ولا من الأرض لأنهم لا يستطيعون ذلك أبدا. وفي عطاء كل منالشهداء وغيرهم من أهل الجنة يقول الحق( تبارك وتعالي):
ولا تحسين الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عندربهم يرزقون* (آل عمران:169)
أي يفيض الله( تعالي) عليهم من نعمه الأخروية, وذلكمن مثل قوله( تعالي): .... ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا*( مريم:62)وتؤكد الآيات القرآنية العديدة أن( الرازق) هو الله( تعالي) لأنه خالقالرزق, ومسببه, ومعطيه, وموزعه بعلمه وحكمته, وقد يستخدم الوصف مجازاللإنسان الذي يكون سببا في وصول الرزق إلي يد غيره, أما( الرزاق) فهو منأسماء الله الحسني, ووصف لا يليق إلا بجلال الله( تعالي), ولا يجوز أن يقاللغيره( سبحانه وتعالي), وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي): إن الله هوالرزاق ذو القوة المتين* (الذاريات:58)
ويقول( عز من قائل): .... ولله خزائن السماواتوالأرض...*( المنافقون:7) ويقول( سبحانه): قل من يرزقكم من السماءوالأرض....* (يونس:31)
ويعتب ربنا( تبارك وتعالي) علي الذين ينعمون في رزقهويكفرونه أو يشركون به غيره فيقول( عز من قائل): أم عندهم خزائن ربك أم همالمصيطرون*( الطور:37)
أما عن لفظة( السماء) فقد وردت في القرآن الكريم فيثلاثمائة وعشرة مواضع, منها مائة وعشرون بالإفراد( السماء), ومائة وتسعونبالجمع( السماوات). والسماء ترد في القرآن الكريم بمعني الغلاف الغازي للأرضبسحبه ورياحه وكسفه, كما ترد بمعني السماء الدنيا التي قد زينها ربنا( تباركوتعالي) بزينة الكواكب والنجوم والبروج, كما ترد بمعني السماواتالسبع.
كذلك جاءت الإشارة القرآنية إلي السماوات والأرض ومابينهما في عشرين موضعا من كتاب الله, ويبدو أن المقصود بذلك هو أيضا الغلافالغازي للأرض بصفة عامة, والجزء الأسفل منه ــ بصفة خاصة ــ وذلك لقول الحق(تبارك وتعالي): ... والسحاب المسخر بين السماءوالأرض.....* (البقرة:164)
والسحاب يتحرك في نطاق المناخ الذي يحوي أغلب مادة الغلافالغازي(75% بالكتلة), والقرآن الكريم يشير في أكثر من موقع إلي انزال الماء منالسماء, وواضح الأمر أن المقصود بالسماء هنا هو السحاب أو النطاق المحتوي عليالسحاب, والمعروف علميا بنطاق التغيرات الجوية, والذي يقول فيه ربنا( تباركوتعالي): (1) الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماءفأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله اندادا وأنتم تعلمون*(البقرة:22)
(2)...... وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا بهالأرض بعد موتها, وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماءوالأرض لآيات لقوم يعقلون*( البقرة:164) (3) وهو الذي أنزل من السماء ماءفأخرجنا به نبات كل شيء..*( الأنعام:99)
(4)... وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به....*(الأنفال:11) (5) إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء...*(يونس:24)
(6) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي...*(هود:44) (7)... يرسل السماء عليكم مدرارا...* (هود:52)
والآيات القرآنية بهذا المعني أكثر من أن تحصي في هذاالمقام, وكذلك الآيات التي تشير إلي السماء الدنيا وزينتها, وتلك التي تلمح إليالسماوات العلا.
آراء المفسرين في تفسير قول الحق( تباركوتعالي): وفي السماء رزقكم وما توعدون* ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: وفي السماء رزقكم, يعني المطر,( وما توعدون) يعني الجنة, قاله ابنعباس ومجاهد وغير واحد.
وذكر صاحبا الجلالين( يرحمهما الله):( وفي السماءرزقكم) أي المطر المسبب عنه النبات الذي هو رزق,( وما توعدون) من الماءوالثواب والعقاب أي: مكتوب ذلك في السماء). وذكر صاحب الظلال( يرحمهالله) ما نصه:.. وهي لفتة عجيبة, فمع أن أسباب الرزق الظاهرة قائمة فيالأرض, حيث يكد فيها الإنسان ويجهد, وينتظر من ورائها الرزق والنصيب, فإنالقرآن يرد بصر الإنسان ونفسه إلي السماء, إلي الغيب, إلي الله, ليتطلع هناكإلي الرزق المقسوم والحظ المرسوم, أما الأرض وما فيها من أسباب الرزق الظاهرة,فهي آيات للموقنين, آيات ترد القلب إلي الله ليتطلع إلي الرزق من فضله, وتتخلصمن أثقال الأرض وأوهام الحرص, والأسباب الظاهرة للرزق, فلا يدعها تحول بينهوبين التطلع إلي المصدر الأول الذي أنشأ هذه الأسباب.
والقلب المؤمن يدرك هذه اللفتة علي حقيقتها, ويفهمها عليوضعها, ويعرف أن المقصود بها ليس هو إهمال الأرض وأسبابها, فهو مكلف بالخلافةفيها وتعميرها, إنما المقصود هو الا يعلق نفسه بها, والا يغفل عن الله فيعمارتها, ليعمل في الأرض وهو يتطلع إلي السماء, وليأخذ بالأسباب, وهو يستيقنأنها ليست هي التي ترزقه, فرزقه مقدر في السماء, وما وعده الله لابد أنيكون. بذلك ينطلق قلبه من إسار الأسباب الظاهرة في الأرض, بل يرف بأجنحة منهذه الأسباب إلي ملكوت السماوات, حين يري في الأسباب آيات تدله علي خالقالأسباب, ويعيش موصولا قلبه بالسماء, وقدماه ثابتتان علي الأرض, فهكذا يريدالله لهذا الإنسان, هكذا يريد الله لذلك المخلوق الذي جبله من الطين, ونفخ فيهمن روحه فإذا هو مفضل علي كثير من العالمين.
والإيمان هو الوسيلة لتحقيق ذلك الوضع الذي يكون فيهالإنسان في أفضل حالاته, لأنه يكون حينئذ في الحالة التي أنشأه الله لها: فطرةالله التي فطر الناس عليها, قبل أن يتناولها الفساد والإنحراف. وبعد هذهاللمسات الثلاث في الأرض والنفس والسماء, يقسم الله سبحانه بذاته العلية علي صدقهذا الحديث كله:( فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون.
وذكر مخلوف( يرحمه الله):( وفي السماء رزقكم) أي سببرزقكم وهو المطر, والسماء: السحاب,( وما توعدون) أي وفي السماء مكتوب ماتوعدون به من الثواب والعقاب, والبعث والخير والشر. وذكر الصابوني( أمدالله في عمره): أي وفي السماء أسباب رزقكم ومعاشكم, وهو المطر الذي به حياةالبلاد والعباد, وما توعدون به من الثواب والعقاب مكتوب كذلك في السماء; قالالصاوي: والآية قصد بها الامتنان والوعد والوعيد.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( أثابهمالله): وفي السماء أمر رزقكم وتقدير ما توعدون.
رزق السماء في العلوم الكونية من منظور العلوم الكونيةيمكن فهم دلالات التعبير القرآني وفي السماء رزقكم وما توعدون. في الأطرالتالية:
أولا: في إطار فهم السماء بنطاق التغيراتالجوية: فإن رزق السماء يفهم علي أنه المطر الذي نرتوي به ونروي زروعنا منه,وهو غاز الاوكسجين الذي نتنفسه نحن وجميع الحيوانات, وثاني أكسيد الكربون الذيتتنفسه النباتات وغير ذلك من الغازات النافعة وهنا ينحصر مفهوم السماء بالنطاقالأسفل من نطق الغلاف الغازي للأرض والمعروف باسم نطاق التغيراتالجوية (Thetroposphere), ويمتد من سطح البحر إلي ارتفاع16 كيلو مترا فوقخط الاستواء, ويتناقص سمكه إلي نحو الكيلو مترات العشرة فوق قطبي الأرض, وإليأقل من ذلك(7 ــ8 كيلو مترات) فوق خطوط العرض الوسطي, وعندما يتحرك الهواءمن فوق خط الاستواء في اتجاه القطبين فإنه يهبط فوق هذا المنحني الوسطي, فتزدادسرعته, ويتحرك في اتجاه الشرق بسرعة فائقة تعرف باسم التيارالنفاث (TheJetstream) وذلك بتأثير دوران الأرض حول محورها من الغرب إليالشرق. وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق مع الأرتفاع باستمرار حتي تصل إليستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته, وذلك نظرا للابتعاد عن سطح الأرض الذييمتص47% من أشعة الشمس فترتفع درجة حرارته ويعيد إشعاع تلك الحرارة علي هيئة أشعةتحت حمراء إلي الغلاف الغازي للأرض بمجرد غياب الشمس, ومن هنا تنخفض درجة حرارةنطاق الطقس مع الأرتفاع للبعد عن مصدر الدفء بالنسبة له ألا وهو سطحالأرض.
ولولا هذا الانخفاض في درجات حرارة نطاق الطقس لفقدت الأرضمياهها بمجرد اندفاع أبخرة تلك المياه من فوهات البراكين في مرحلة دحو الأرض,ولاستحالت الحياة علي سطحها..!! ويغطي الماء أكثر قليلا من71% من المساحةالكلية للكرة الأرضية, وتقدر كميته بنحو1,36 مليار كيلو متر مكعب(منها97,2% في المحيطات والبحار,2,15% علي هيئة جليد فوق القطبين وحولهما وفوققمم الجبال,0,65% في المجاري المائية المختلفة من الأنهار, والجداول وغيرها,وفي كل من البحيرات العذبة وخزانات المياه تحت سطح الأرض).
وهذا الماء أخرجه ربنا( تبارك وتعالي) أصلا من داخلالأرض ولايزال يخرجه لنا عبر فوهات البراكين, علي هيئة بخار الماء الذي تكثفولايزال يتكثف في الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية, والتي تتميز ببرودتهاالشديدة, فعاد إلي الأرض, ولا يزال يعاود دورته بين الأرض والسماء ليجري أنهارامتدفقة, تفيض إلي منخفضات الأرض فتشكلها بحارا ومحيطات, وبحيرات ومستنقعات,وظلت دورة المياه بين الأرض والسماء آية من آيات الله في إبداع الخلق حفظت ماءالأرض من التعفن, ومن الضياع إلي طبقات الجو العليا, وعملت علي تفتيت الصخور,وتسوية سطح الأرض وتمهيده, وتكوين مختلف أنواع التربة, وتركيز العديد منالمعادن والصخور الاقتصادية, وخزن المياه تحت السطحية, وكانت من أسس ازدهارالحياة علي الأرض بإذن الله. فماء الأرض يتبخر منه سنويا380,000 كيلو مترمكعب, ينتج أغلبها(320,000 كيلو متر مكعب) من بخر أسطح البحار والمحيطات,والباقي(60,000 كيلو متر مكعب) من سطح اليابسة, وهذا البخار تدفعه الرياح إليالطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض حيث يتكثف في السحب ويعود إلي الأرض مطراطهورا, أو ثلجا, أو بردا, وبدرجة أقل علي هيئة ندي أو ضباب في الأجزاءالقريبة من سطح الأرض.
وتجري مياه الأمطار علي الأرض في مختلف مجاري المياه لتصبفي البحار والمحيطات, كما يترشح جزء منها خلال طبقات الأرض المنفذة ليكون المياهتحت السطحية ذات الحركات الدائبة حيث تشارك في تغذية بعض الأنهار والبحيراتوالمستنقعات, وقد تخرج علي سطح الأرض علي هيئة ينابيع, أو ينتهي بها المطاف إليالبحار والمحيطات. وماء المطر يسقط علي البحار والمحيطات بمعدل سنوي يقدربنحو284,000 كيلو متر مكعب وعلي اليابسة بمعدل سنوي يقدر بنحو96,000 كيلو مترمكعب, والرقم الأخير يزيد بمعدل36,000 كيلو متر مكعب عن معدل البخر مناليابسة, وهو الفرق نفسه بين معدل البخر من أسطح البحار والمحيطات, ومعدل سقوطالأمطار عليها, وتتم دورة المياه حول الأرض بصورة معجزة في كمالها ودقتها, لأنهلولاها لفسد كل ماء الأرض أو تعرض للضياع وترك كوكبنا الأرضي قاحلا, أجرد بلاحياة, تحرقه حرارة الشمس بالنهار, وتجمده برودة الليل كلما غابتالشمس.
والماء ضرورة من ضرورات الحياة الأرضية, فبدونه لا يمكنلإنسان, ولا لحيوان, ولا لنبات أن يعيش, فجنين الإنسان يحتوي علي97% منوزنه ماء, وتقل هذه النسبة إلي91% في جسد الطفل الوليد, ثم إلي66% في جسدالفرد البالغ, وتختلف نسبة الماء في كل عضو من أعضاء جسد الإنسان باختلافوظيفته, فهي في الرئتين90%, وفي الدم82%, وفي خلايا الدماغ70%; والإنسانيمكنه العيش أسابيع عديدة بدون طعام, ولكنه لا يستطيع العيش بدون ماء إلا لفترةمحدودة جدا لا تتجاوز بضعة أيام.....!! وذلك لأن الماء يعين الإنسان عليالقيام بجميع العمليات الحياتية في جسمه من مثل عمليات الهضم, والتخلص من الفضلاتوالتنفس وتجديد الدم,ويعين الحيوان في كل ذلك, كما يعين النبات علي الاستفادةبمركبات الأرض بامتصاصها من التربة والقيام بعملية التمثيل الضوئي, والنتحوالتنفس.
والماء هو المركب الوحيد المعروف لنا في الجزء المدرك منالكون, والذي يوجد في حالاته الثلاث: الصلبة, والسائلة والغازية, وللماءقدرة فائقة علي إذابة العديد من العناصر والمركبات مما جعل منه لازمة من لوازمالحياة, كما له العديد من الخصائص الفزيائية والكيميائية المميزة من مثلقطبيته( الناتجة من أن ذرة الاوكسجين فيه تحمل شحنه سالبة بينما تحمل ذرتاالايدروجين شحنة موجبة) وقدرته الفائقة علي الالتحام والتماسك والتلاصق تجعله أشدالسوائل تلاصقا, وأشدها قدرة علي التوتر السطحي بعد الزئبق, وتبدو قدرة الماءالفائقة علي التوتر السطحي في ميله إلي التكور علي هيئة قطرات بدلا من الانتشارأفقيا علي السطح الذي يسكب عليه, كما تبدو في قدرة الماء الفائقة علي تسلق جدرانالوعاء الذي يوضع فيه خاصة إذا كان قطر الوعاء صغيرا, وتعرف هذه الخاصية باسمالخاصية الشعرية, وبواسطتها تتحرك السوائل من مثل العصارات الغذائية وما بها منعناصر ومركبات مذابة في الماء من جذور النباتات الي فروعه وأوراقه وزهوره وثماره,وإلي قمته النامية, كما تتحرك الدماء والعصارات الغذائية المختلفة والفضلات في كلمن الجهاز الهضمي والأوعية الدموية الدقيقة في أجساد كل من الإنسانوالحيوان.
وخواص الماء الحرارية خواص متميزة, فالحرارة النوعيةللماء تقدر بعشرة أضعاف الحرارة النوعية للحديد, وبخمسة أضعاف الحرارة النوعيةلرمال الشواطئ, وكذلك فإن معامل الحرارة الكامنة لكل من تبخر الماء السائلوانصهار الجليد الصلب مرتفعين ارتفاعا ملحوظا مما يعطي للماء مجالا واسعا في جميعالعمليات الحياتية. وللماء منحني كثافة فريد ــ لا يشاركه فيه أي من السوائلالأخري ــ فعندما تصل درجة حرارة الماء إلي أربع درجات مئوية يصل إلي أقل حجم لهوأعلي كثافة, ولكن اذا انخفضت درجة الحرارة دون ذلك فإن حجم الماء يتمدد وتقلكثافته, وهذا يفسر طفو الجليد علي سطح الماء في البحار والمحيطات, وعدم تجمدالماء أسفل منه مما يتيح فرصة عدم التجمد للكائنات البحرية العديدة التي تعيش فيأعماق البحار, فالماء هذا السائل العجيب هو من أعظم صور رزق السماء لأن بدونه لايمكن للحياة الأرضية أن تكون...!!
وكذلك الهواء بما فيه من اوكسجين وثاني أكسيد الكربونوبخار الماء, وغير ذلك من الغازات المهمة وهباءات الغبار وكلها من ضرورات جعلالحياة علي الأرض ممكنة وممتعة.
ثانيا: في إطار تفسير السماء بالسماء الدنيا: فإنرزق السماء هو كل صور المادة والطاقة المتولدة في داخل النجوم, من مثل شمسناوالتي تصل إلي الأرض بصور متعددة: فمن الثابت علميا أن النجوم قد تكونت ابتداءمن الدخان الكوني الذي نشأ عن انفجار الجرم الابتدائي للكون, مما يؤكد علي وحدةالبناء في الكون, وأنها لا تزال تتكون أمام انظار الفلكيين اليوم من دخانالسدم, وفي داخل تلك الغيوم الكونية عبر مراحل من النجومالابتدائية (Prosrars) وذلك بواسطة عدد من الدوامات العاتية التي تعرف باسمدوامات تركيز المادة, والتي تقوم بتكديس المادة وتكثيفها حتي تتجمع الظروفاللازمة لبدء عملية الاندماج النووي, وانطلاق الطاقة, وانبثاق الضوء فيتحولالنجم الابتدائي إلي نجم عادي كشمسنا يعرف باسم( نجم التسلسل الرئيسي) وأغلبالنجوم التي تتراءي لنا في صفحة السماء هي من هذا النوع لأن النجم يقضي90% منعمره في هذه المرحلة التي يعتبر فيها النجم فرنا كونيا تتخلق فيه العناصر من نويذرات الإيدروجين بعملية الاندماج النووي, وتتميز فترة( نجم النسق الرئيسي)بتعادل قوة الجذب إلي مركز النجم مع قوة دفع مكونات النجم إلي الخارج لتمددهبالحرارة الناتجة عن عملية الاندماج النووي, وبالعزم الزاوي الناتج عن دوراته حولمحوره, ويبقي النجم في هذا الطور حتي ينفد وقوده من غازي الايدروجين والهليوم,ف يبدأ بالدخول في مراحل الشيخوخة بالانكدار ثم الخنوس والطمس حتي تنتهي حياةالنجم بالانفجار وعودة مادته الي دخان السماء إما مباشرة عن طريق إنفجار العماليقالحمر أو العماليق العظام أو المستعرات العظيمة بمختلف نماذجها, أو بطرق غيرمباشرة عبر مرحلة من مراحل وفاة النجوم الفائقة الكتل من مثل النجوم النيوترونيةوالنجوم الخانسة الكانسة( أو ما يعرف باسم الثقوب السود), والتي يعتقد العلماءبأنها تفقد مادتها بالتدريج إلي دخان السماء عبر مرحلة أشباه النجوم. وباتحادنوي ذرات الإيدروجين في قلب النجم العادي تتكون نوي ذرات الهليوم, وباتحاد نويذرات العنصر الأخير تتكون نوي ذرات البريليوم, وهكذا يتسلسل تخلق العناصرالمختلفة في داخل النجوم خاصة النجوم العملاقة أو في أثناء انفجارها, ويؤديانفجار النجوم إلي عودة ما تكون بداخلها من عناصر إلي دخان السماء لكي يكون مادةلتخلق نجم جديد أو ليصل إلي بعض أجرام السماء في صورة من صور رزقالسماء.
ومن المشاهد أن عملية الاندماج النووي في داخل النجومفائقة الكتلة من مثل العماليق والمستعرات العظام تستمر حتي يتحول قلب النجم بالكاملإلي حديد, فتستهلك طاقة النجم لأن ذرة الحديد هي أكثر الذرات تماسكا, وفيانفجار المستعرات العظام تصطدم نيوترونات دخان السماء بنوي الحديد المتطايرة منعملية الانفجار لتبني نوي ذرات أعلي كثافة مثل الفضة, والذهب, واليورانيوم,وغيرها, كما أن إهاب النجم المتفجر من المواد الاقل كثافة ينتقل أيضا إلي دخانالسماء بأنفجار واشتعال شديدين وانبعاث موجات راديوية قوية. وتتكون المادةفيما بين النجوم من الغازات والغبار( أي الدخان) المكون من جزيئات وذراتوأيونات, ومن اللبنات الأساسية للمادة ويغلب علي تركيبه الايدروجين,والهليوم, والاوكسجين, والنيتروجين, والكربون, والنيون والصوديوموالبوتاسيوم وبعض العناصر الاثقل, وتقدر المادة بين نجوم مجرتنا ببضعة بلايينالمرات قدر كتلة الشمس, وتصل كافة العناصر المتخلقة في الكون إلي الأرض عن طريقتساقط الشهب والنيازك, ويصل إلي الأرص يوميا بين الألف والعشرة آلاف طن من مادةالشهب والنيازك لتجدد إثراء الأرض بالعناصر المختلفة التي تمثل صورة من صور رزقالسماء الذي يوزع علي الأرض بتقدير من العزيز الحكيم, ولم يكن لأحد ادراك بها منقبل.
ومنذ فترة وجيزة أثبت العلماء أن نجما من نجوم السماء قدتحول إلي كتلة من الألماس تفوق كتلة الأرض عدة مرات, ومن قبيل الفكاهة يذكرون أنهذه الكتلة إذا انفجرت ونزلت إلي الأرض فإن تجارة الألماس سوف تكسدبالقطع. ويقدر ناتج الطاقة الكلية للشمس بنحو3,86*3310 سعر/ ثانية ويعتبرفيض الطاقة الشمسية الواصلة إلي الأرض أكبر من الطاقة التي تستقبلها الأرض من ألمعالنجوم بعشرة مليارات ضعف, وأكبر من الطاقة التي تستقبلها الأرض من القمر وهو فيطور البدر مليون مرة. وطاقة الشمس من رزق السماء, فبدونها تستحيل الحياة عليالأرض....!!
ثالثا: في إطار تفسير السماء بالسماوات العلا فإن رزقالسماء يتمثل في قرار الرزاق ذي القوة المتين, فقد ثبت أن كوننا قد نتج عن عمليةانفجار عظيم, وأنه من طبيعة الانفجار أنه يؤدي إلي تناثر المادة وبعثرتها, ولكنانفجارا يؤدي إلي بناء كون بهذه الضخامة في الابعاد, وفي تعدد الاجرام وفي احكامالاحجام, والكتل والمدارات, والحركات والعلاقات المتبادلة من مثل التجاذب,وتبادل المادة فيما بينها هو انفجار لابد, وأن يكون قد تم بتقدير عظيم, من خالقعظيم له من صفات الكمال والجمال والجلال ما مكنه من إبداع هذا الخلق بعلمه وحكمتهوقدرته, وهذا الخالق العظيم لابد, وأن يكون مغايرا لكل خلقه فلا يحده المكان,ولا الزمان, ولا تشكله المادة ولا الطاقة, لأنه( تعالي) خالق كل ذلكومبدعه, هذا الخالق العظيم فوق كل خلقه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير*(الشوري:11) يدبر أمر هذا الكون في كل صغيرة وكبيرة, ومن ذلك توزيع الأرزاقعلي العباد, فمن الأسماء الحسني لهذا الخالق العظيم البارئ المصور نجد اسم(الوهاب) أي صاحب الهبات والعطايا الخالية عن الأعواض والأغراض, كما نجد أسم(الرزاق) أي خالق الأرزاق والمرزوقين, وموصل الأرزاق اليهم وخالق الأسباب التيتمكنهم من التمتع بها.
وباقي أسمائه الحسني( سبحانه وتعالي) تحمل شيئا من تلكالمعاني والصفات الربانية ومنها:اسم( الفتاح) وهو الذي بيده مفاتيح الغيبوالرزق, ومفاتيح كل منغلق ومشكل, واسما( القابض) و(الباسط) ومنمعانيهما فيض الرزق حتي لا يبقي طاقة, وبسطه حتي لا يبقي فاقه, كما يقبض القلوبوالأرواح ويبسطهما كيف يشاء, واسما( المعز)( المذل) الذي يؤتي الملك منيشاء, وينزعه ممن يشاء, والملك من الرزق, والملك الحقيقي يكمن في الخلاص منذل الحاجة, وقهر الشهوة, وعبء الجهل, واسم( المقيت) ومن معانيه خالقالأقوات وواهبها. و(الكريم) ومن معانيه المعطاء زيادة علي منتهي الرجاء,و(المجيب) ومن معانيه مقابلة مسألة السائلين بالاجابة و(الواسع) ومن معانيهذو السعة المطلقة من العلم والخير والاحسان وبسط النعم, و(الودود) ومن معانيهالانعام علي سبيل الابتداء بمحبة ورأفة, و(البر) وهو المحسن المتفضل بكل بروإحسان, و(مالك الملك) أي صاحب المشيئة النافذة, والإرادةالغالبة. وخلاصة ذلك أن قرار توزيع الأرزاق علي العباد يصدره ربنا( تباركوتعالي) في علاه فتنزل به الملائكة إلي الأرض تصديقا لقول المصطفي( صلي اللهعليه وسلم): إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة, ثم يكون علقة مثلذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك, ثم يرسل إليه الملك, فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربعكلمات: يكتب رزقه, وأجله, وعمله, وشقي أو سعيد....
وصدق الله العظيم الذي أنزل من فوق سبع سماوات ومن قبلأربعة عشر قرنا قوله الحق: وفي السماء رزقكم وما توعدون*.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق