حياكم الله - أعزائي في هذه الزاوية أخترت لكم بعض المواضيع التي تبين أسرار القرآن الكريم و آياته و السنّة النبوية ، و عظمة هذا الكون و اتساعه لنتدبر و نتفكـّر فيهما. كما قال تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. أو لم يكفي بربك أنه على كل شيء قدير. و أرجو المعذرة لأي تقصير أو خطأ.فلست بعالم و لا فقيه ما أنا إلا طالب.
الأربعاء، 28 أكتوبر 2009
من أسرار القرآن 05
من أسرار القرآن 05
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزيدلالتها العلمية
ـ 18 ـ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها...
بقلمالدكتور: زغـلول النجـار
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سورةالرعد بقوله( عز من قائل): المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحقولكن أكثر الناس لايؤمنون. الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوي عليالعرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاءربكم توقنون [الرعد:1 و2]
وفي هاتين الآيتين الكريمتين يؤكد ربنا( تبارك وتعالي)أن الوحي بالقرآن الكريم إلي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) هوالحق المطلق, المنزل من الله( تعالي), والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه, وإن كان أكثر الناس لايؤمنون به. والإيمان بالوحي من ركائز الإيمانبالله, ودعائم الإسلام( أي التسليم له تعالي بالطاعة في العبادة) لأن الذييؤمن بأن الوحي هو كلام الله الخالق يسلم بمحتوي هذا الوحي من أمور الغيب وضوابطالسلوك من مثل قواعد العقيدة, وتفاصيل العبادة, ودستور الأخلاق وفقهالمعاملات, ومايصاحب ذلك من قصص الأمم السابقة( الذي جاء للعظة والاعتبار),وخطاب للنفس الإنسانية من خالقها وبارئها يهزها من الأعماق هزا, ويرقي بها إليمعارج الله العليا...!! وأول أسس العقيدة الصحيحة هو التوحيد الخالص لله تعاليبغير شريك ولاشبيه ولامنازع, والإيمان بما أنزل من غيب[ الإيمان بالله وملائكتهوكتبه ورسله( بغير تفريق ولاتمييز), وبالقدر خيره وشره( بكل الرضيوالتسليم), وبالبعث والحساب والجنة والنار, وبالخلود في حياة قادمة( بغيرأدني شك أو ريبة].
وهذا الإيمان الصحيح يستتبع الخضوع الكامل لله( تعالي)بالعبادة والطاعة, وحسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض في غير استعلاءولاتجبر, والسعي الحثيث لإقامة عدل الله( تعالي) فيها, وكل ذلك من صميمرسالة الإنسان في هذه الحياة, ومن ضرورات تحقيق النجاح فيها: والقرآن الكريمالذي أوحاه ربنا( تبارك وتعالي) إلي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليهوسلم), وتعهد بحفظه كلمة كلمة, وحرفا حرفا, فحفظ علي مدي أربعة عشر قرنا أويزيد, وإلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها يستدل علي صفائه الرباني,وعلي وحدانية الخالق العظيم, وطلاقة قدرته, وكمال علمه وحكمته بآياته الكريمةذاتها, ومالها من جمال, وكمال, وصدق, كما يستدل علي ذلك أيضا بعدد من آياتالله الكونية الكبري وفي مقدمتها رفع السماوات بغير عمد يراها الناس...!!! وهو منالأمور الظاهرة للعيان, والشاهدة علي أن للكون إلها خالقا, قادرا, حكيما,عليما, أبدع هذا الكون بعلمه, وحكمته وقدرته, وهو قادر علي إفنائه, وعليإعادة خلقه من جديد.
وعلي الرغم من ذلك فإن أكثر الناس غافلون عن كل هذهالحقائق, ومضيعون أعمارهم في شقاق, ونفاق, وعناد, من أجل الخروج علي منهجالله, واتباع الشهوات المحرمة, والمتع الخاطئة المدمرة, والاستعلاء الكاذب فيالأرض, والولوغ في الظلم, وإفساد الحياة..!!! وأغلب المنكرين لدين اللهالحق الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهمأجمعين) ينطلقون من غفلتهم هذه لينكروا البعث, والحساب, والجنة, والنار,والخلود في حياة قادمة انطلاقا من كفرهم بالله الخالق, وبملائكته, وكتبه,ورسله, ولايجدون في رفع السماء بغير عمد يرونها آية من الآيات المادية الملموسةالتي نشهد له( تعالي) بطلاقة القدرة, وكمال الحكمة, ودقةالتدبير..!!!
وتستمر الآيات القرآنية في نفس السورة باستعراض عدد غيرقليل من آيات الله في الكون لعلها توقظ أصحاب العقول الغافلة, والضمائر الميتة إنكانت لديهم بقية من القدرة علي التفكير السليم, أو التعقل الراجح. فإن أصرواعلي كفرهم بالله, وإنكارهم لرسالته الخاتمة, وماتضمنته من أمور غيبية, وفيمقدمتها قضية البعث, فليس من جزاء لهم أقل من الخلود في النار, والاغلال فيأعناقهم, إمعانا في إذلالهم جزاء كفرهم وإنكارهم لآيات الله الخالق المقروءة فيرسالته الخاتمة والمنظورة في كونه البديع..!!! ورفع السماوات بغير عمد يراهاالناس مع ضخامة أبعادها, وتعاظم أجرامها عددا وحجما وكتلة, هو من أوضح الأدلةعلي أن هذا الكون الشاسع الاتساع, الدقيق البناء, المحكم الحركة والمنضبط في كلأمر من أموره لايمكن أن يكون نتاج المصادفة المحضة, أو أن يكون قد أوجد نفسهبنفسه, بل لابد له من موجد عظيم له من صفات الكمال والجمال والجلال والقدرةمايغاير صفات خلقه قاطبة: ليس كمثله شيء وهو السميعالبصير [الشوري:11]
من أجل ذلك يؤكد القرآن الكريم حقيقة رفع السماوات بغيرعمد يراها الناس, وإبقاءها سقفا مرفوعا, وحفظها من الوقوع علي الأرض ومن الزوالإلا بإذن الله, وذلك في عدد من آيات أخري من كتابه العزيز يقول فيها ربنا(تبارك وتعالي):
[1] خلق السماوات بغير عمدترونها.. (لقمان:10)
[2] وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتهامعرضون. (الأنبياء:32)
[3] ويمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه إن اللهبالناس لرءوف رحيم (الحج:65)
[4] ومن آياته أن تقوم السماء والأرضبأمره. (الروم:25)
[5] إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتاإن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا (فاطر:41)
[6] والسقف المرفوع (الطور:5)
[7] والسماء رفعها ووضع الميزان (الرحمن:7)
[8] ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكهافسواها (النازعات:28,27)
[9] أفلا ينظرون إلي الابل كيف خلقت وإلي السماء كيفرفعت ( الغاشية:18,17)
[10] والسماء ومابناها (الشمس:5)
فكيف رفعت السماوات بغير عمد يراها الناس؟ وهل معني الآيةالكريمة ان السماء لها عمد غير مرئية أم ليس لها عمد علي الإطلاق؟ هذا ماسوف نفصلهفي السطور التالية بإذن الله( تعالي) وقبل الدخول في ذلك لابد لنا من شرحلفظ( عمد) في اللغة العربية وفي القرآن الكريم.
لفظة( العمد) في اللغة العربية
ثبات كواكبالمجموعة الشمسية بالتعادل بين قوة الجاذبية والقوة الطاردة المركزية يقال:(عمد) للشيء بمعني قصد له أي( تعمده), و(العمد) و(التعمد) هو قصدالشيء بالنية وهو ضد كل من السهو والخطأ, و(العمد) علي الشيء الاستنادإليه, ويقال:( عمد) الشيء( فانعمد) أي أقامه( بعماد)( يعتمد)عليه, و(عمدت) الشيء إذا أسندته, و(عمدت) الحائط مثله, و(العمود)ماتقام أو تعتمد عليه الخيمة من خشب أو نحوه ويعرف باسم( عمود البيت), وجمعه فيالقلة( أعمدة), وفي الكثرة( عمد) بفتحتين و(عمد) بضمتين, و(عمود)القوم و(عميدهم) السيد الذي( يعمده) الناس, و(العمدة) بالضم ما(يعتمد) عليه وجمعه( عمد), و(العماد) بالكسر ما( يعتمد) أو هو الأبنيةالرفيعة( تذكر وتؤنت) والواحدة( عمادة) ويقال:( اعتمد) علي الشيء بمعنياتكأعليه, و(اعتمد) عليه في كذا اتكل عليه, وفلان رفيع( العماد) أي هورفيع عند الاعتماد عليه, ويقال: سطع( عمود) الصبح أي ابتدأ طلوع نورهتشبيها( للعمود) والقلب( العميد) الذي يعمده الحزن, والجسد( العميد)الذي يعمده السقم, وقد( عمد) توجع من حزن أو غضب أو سقم, و(عمد) البعيرتوجع من عقر ظهره.
لفظة( العمد) في القرآن الكريم وردت لفظة( عمد)في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع علي النحو التالي:
[1] الله الذي رفع السماوات بغير عمدترونها (الرعد:2)
[2] خلق السماوات بغير عمدترونها.. (لقمان:10)
[3] نار الله الموقدة. التي تطلع علي الأفئدة. إنهاعليهم مؤصدة. في عمد ممدة (الهمزة:6 ــ9)
ووردت لفظة( عماد) في موضع واحد يقول فيه ربنا(تبارك وتعالي): ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. التي لم يخلقمثلها في البلاد. (الفجر:6 ـ8)
وجاء الفعل( تعمد) ومشتقاتها في كتاب الله الكريم فيثلاثة مواضع علي النحو التالي: [1] وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكنماتعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما (الأحزاب:5)
[2] ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضبالله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (النساء:93)
[3] ومن قتله منكممتعمدا.. (المائدة:95)
آراء المفسرين تعددت آراء المفسرين في شرح قوله(تعالي): الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها..( الرعد:2) وقوله(عز من قائل): خلق السماوات بغير عمد ترونها.. (لقمان:10)
فقال ابن كثير( يرحمه الله): السماء علي الأرض مثلالقبة, يعني بلا عمد, وهذا هو اللائق بالسياق, والظاهر من قوله تعالي(ويمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه) فعلي ذلك يكون قوله:( ترونها)تأكيدا لنفي ذلك, أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها, وهذا هو الأكمل فيالقدرة. كذلك روي ابن كثير عن ابن عباس( رضي الله عنهما) وعن كل من مجاهدوالحسن( عليهما رضوان الله) أنهم قالوا: لها عمد ولكن لاتري, فتكون(ترونها) صفة( عمد) أي بغير عمد مرئية( أبو بعمد غير مرئية), وأضاف أن هذاالتأويل خلاف الظاهر المتبادر ولذلك ضعفه ابن كثير.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( يرحمهما الله): أن(العمد) جمع( عماد) وهو الاسطوانة[ أي أن العمد موجودة ولكنكم لاترونها],وهو صادق أن لا عمد أصلا. وفي تعليقه علي هذا التفسير ذكر كنعان( أمد اللهفي عمره): قوله: وهو صادق بأن لاعمد لها أصلا هو إشارة إلي الوجه الثاني عليالقول بأن( ترونها) صفة لــ( عمد), والضمير عائد إليها والمعني: رفعهاخالية عن عمد مرئية, وانتفاء العمد المرئية يحتمل انتفاء الرؤية فقط أي: لهاعمد ولكنها غير مرئية, ويحتمل انتفاء العمد والرؤية جميعا أي: لاعمد أصلا كماذكر الجلال السيوطي( يرحمه الله), وفي قول آخر:( ترونها) مستأنفة,وضميرها يعود لــ( السماوات), والمعني: رفعها بلا عمد أصلا وأنتم ترونهاكذلك..
وذكر محمد عبده( رحمه الله) في تفسير قوله(تعالي): والسماء ومابناها مانصه: السماء اسم لما علاك وارتفع فوق رأسك وأنتإنما تتصور عند سماعك لفظ السماء هذا الكون الذي فوقك فيه الشمس والقمر وسائرالكواكب تجري في مجاريها, وتتحرك في مداراتها, هذا هو السماء. وقد بناه اللهأي رفعه وجعل كل كوكب من الكواكب منه بمنزلة لبنة من بناء سقف أو قبة أو جدران تحيطبك, وشد هذه الكواكب بعضها إلي بعض برباط الجاذبية العامة, كما تربط أجزاءالبناء الواحد بما يوضع بينها مما تتماسك به. وقال صاحب الظلال( يرحمهالله): والسماوات ــ أيا كان مدلولها, وأيا كان مايدركه الناس من لفظها في شتيالعصور ــ معروضة علي أنظار, هائلة ــ ولاشك ــ حين يخلو الناس إلي تأملهالحظة, وهي هكذا لاتستند إلي شيء, مرفوعة( بغير عمد) مكشوفة( ترونها)..ما من أحد يقدر علي رفعها بلا عمد ــ أو حتي بعمد ــ إلا الله..
وذكر الغمراوي( يرحمه الله) واعجب معي من إعجازالأسلوب والمعني معا في قوله تعالي:( بغير عمد ترونها) في كل من خلق السماءورفعها. فلو قيل( بغير عمد) فحسب لكان ذلك نفيا مطلقا للعمد, مرئية وغيرمرئية, والنفي المطلق يخالف الواقع الذي علم الله أنه سيهدي إليه عباده بعد نحوألف وخمسين عاما من اختتام القرآن, فكأن من الإعجاز المزدوج أن يقيد الله نفيالعمد في الخلق والرفع بقوله( ترونها), والضمير المنصوب في( ترونها) يرجعأولا إلي أقرب مذكور وهو( عمد) فيكون المعني: بغير عمد مرئية, أي بعمد منشأنها وفطرتها ألا تري, والفعل المضارع في اللغة يشمل الحال والاستقبال أو هو حالمستمر, لأن القرآن مخاطب به الناس في كل عصر. وإذا أعيد الضمير إلي السماءكان المعني: أن السماء ترونها مخلوقة مرفوعة بغير عمد, وتكون العمد مايعهدهالناس في أبنية الأرض, ونفيها بهذا المعني عن السماء المرفوعة أيضا أمر عجيبلايقدر عليه إلا الله وكلا الوجهين مفهوم من التعبير القرآني طبق اللغة, وإن كانالأولي في اللغة هو الوجه الأول الذي يحوي الإعجاز العلمي, وإذن فالوجهان كلاهمامرادان بالتعبير الكريم إذ لامانع من أحدهما والزمخشري فهم المعنيين علي التخيير,وإن أعطي الأولوية للمعني المستفاد من جعل( ترونها) صفة للعمد, أي بغير عمدمرئية, يعني أن عمدها لاتري, وهي إمساكها بقدرته.
أما الفخر الرازي فلم يرصد إلا هذا المعني الثاني إذيقول: إنه رفع السماء بغير عمد ترونها, أي لاعمد في الحقيقة إلا أن تلك العمدهي قدرة الله تعالي وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الحيز الحالي, وإنهم( أيالناس) لايرون ذلك التدبير ولايعرفون كيفية ذلك الإمساك. وأضاف الغمراوي(يرحمه الله) وقد عرف علماء الفلك الحديث كيفية ذلك عن طريق تلك السنة الكونيةالعجيبة المذهلة: سنة الجاذبية العامة, التي قامت وتقوم بها السماوات والأرضبأمر الله كما قال سبحانه: ومن آياته أن تقوم السماء والأرضبأمره (الروم:25)
وقد بقي من صور التعبير صورة, وهي أن يقال:( بعمدلاترونها) بدلا من( بغير عمد ترونها) في الآيتين الكريمتين, وقد تجنبهاالقرآن لحكمة بالغة, فلو أنها جاءت فيه هكذا لاتجهت الافكار باديء ذي بدء إليإثبات عمد في السماء أو للسماء, كالتي يعرفونها فيما يعلون من بنيان, ولأثبتالعلم بطلان ذلك, وإن جاز علي أهل العصور قبل, وجل وعز وجه الله أن يلم خطأمابكتابه من قريب أو بعيد. وذكر الصابوني( أمد الله في عمره) في تفسيرقوله تعالي: الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها مانصه: أي خلقهامرتفعة البناء, قائمة بقدرته لاتستند علي شيء حال كونكم تشاهدونها وتنظرونها بغيردعائم, وذلك دليل علي وجود الخالق المبدع الحكيم
العمد غير المرئية في العلوم الكونية تشير الدراساتالكونية إلي وجود قوي مستترة, في اللبنات الأولية للمادة وفي كل من الذراتوالجزيئات وفي كافة أجرام السماء, تحكم بناء الكون وتمسك بأطرافه إلي أن يشاءالله تعالي فيدمره ويعيد خلق غيره من جديد. ومن القوي التي تعرف عليها العلماءفي كل من الأرض والسماء أربع صور, يعتقد بأنها أوجه متعددة لقوة عظمي واحدة تسريفي مختلف جنبات الكون لتربطه برباط وثيق وإلا لانفرط عقده وهذه القويهي:
(1) القوة النووية الشديدة وهي القوة التي تقوم بربطالجزيئات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة برباط متين من مثل البروتونات,والنيوترونات ولبناتهما الأولية المسماة بالكواركات (QUARKS) بأنواعهاالمختلفة وأضدادها ((Anti-Quarks كما تقوم بدمج والتحام نوي الذرات معبعضها البعض في عمليات الاندماج النووي (nuclearfusion) التي تتم في داخلالنجوم, كما تتم في العديد من التجارب المختبرية, وهي أشد أنواع القوي الطبيعيةالمعروفة لنا في الجزء المدرك من الكون ولذا تعرف باسم القوة الشديدة ولكن هذهالشدة البالغة في داخل نواة الذرة تتضاءل عبر المسافات الأكبر ولذلك يكاد دورهايكون محصورا في داخل نوي الذرات, وبين تلك النوي ومثيلاتها, وهذه القوي تحملعلي جسيمات غير مرئية تسمي باسم اللاحمة أو جليون (gluon) لم تكتشف إلا فيأواخر السبعينيات من القرن العشرين, وفكرة القنبلة النووية قائمة علي اطلاق هذهالقوة التي تربط بين لبنات نواة الذرة, وهذه القوة لازمة لبناء الكون لأنها لوانعدمت لعاد الكون إلي حالته الأولي لحظة الانفجار العظيم حين تحول الجرم الابتدائيالأولي الذي نشأ عن انفجاره كل الكون إلي سحابة من اللبنات الأولية للمادة التيلايربطها رابط, ومن ثم لايمكنها بناء أي منأجرام السماء.
(2) القوة النووية الضعيفة: وهي قوة ضعيفة وذات مديضعيف للغاية لا يتعدي حدود الذرة وتساوي10 ــ13 من شدة القوة النوويةالشديدة, وتقوم بتنظيم عملية تفكك وتحلل بعض الجسيمات الأولية للمادة في داخلالذرة كما يحدث في تحلل العناصر المشعة, وعلي ذلك فهي تتحكم في عملية فناءالعناصر حيث إن لكل عنصر أجلا مسمي, وتحمل هذه القوة علي جسيمات إما سالبة أوعديمة الشحنة تسمي البوزونات (bosons).
(3) القوة الكهربائية المغناطيسية(الكهرومغناطيسية): وهي القوة التي تربط الذرات بعضها ببعض في داخل جزيئاتالمادة مما يعطي للمواد المختلفة صفاتها الطبيعية والكيميائية, ولولا هذه القوةلكان الكون مليئا بذرات العناصر فقط ولما كانت هناك جزيئات أو مركبات, ومن ثم ماكانت هناك حياة علي الاطلاق. وهذه القوة هي التي تؤدي إلي حدوث الاشعاعالكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات الضوء أو مايعرف باسم الكمالضوئي. (PhotonsorphotonQuantum) وتنطلق الفوتونات بسرعة الضوء لتؤثر فيجميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلاتالكيميائية وفي العديد من العمليات الفيزيائية وتبلغ قوتها137/1 من القوة النوويةالشديدة.
(4) قوة الجاذبية: وهي علي المدي القصير تعتبر أضعفالقوي المعروفة لنا, وتساوي10 ــ39 من القوة النووية الشديدة, ولكن عليالمدي الطويل تصبح القوة العظمي في الكون, نظرا لطبيعتها التراكمية فتمسك بكافةأجرام السماء, وبمختلف تجمعاتها, ولولا هذا الرباط الحاكم الذي أودعه الله(تعالي) في الأرض وفي أجرام السماء ما كانت الأرض ولا كانت السماء ولو زال هذاالرباط لانفرط عقد الكون وانهارت مكوناته. ولايزال أهل العلم يبحثون عن موجاتالجاذبية المنتشرة في أرجاء الكون كله, منطلقة بسرعة الضوء دون أن تري, ويفترضوجود هذه القوة علي هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد يطلق عليها اسمالجسيم الجاذب أو( الجرافيتون) (Graviton) وعلي ذلك فإن الجاذبية هيأربطة الكون.
والجاذبية مرتبطة بكتل الأجرام وبمواقعها بالنسبة لبعضهاالبعض, فكلما تقاربت أجرام السماء, وزادت كتلها, زادت قوي الجذب بينها,والعكس صحيح, ولذلك يبدو أثر الجاذبية أوضح مايكون بين أجرام السماء التي يمسكالأكبر فيها بالأصغر بواسطة قوي الجاذبية, ومع دوران الأجرام حول نفسها تنشأالقوة الطاردة( النابذة) المركزية التي تدفع بالاجرام الصغيرة بعيدا عن الأجرامالأكبر التي تجذبها حتي تتساوي القوتان المتضادتان: قوة الجذب إلي الداخل, وقوةالطرد إلي الخارج فتتحدد بذلك مدارات كافة أجرام السماء التي يسبح فيها كل جرمسماوي دون أدني تعارض أو اصطدام. هذه القوي الأربع هي الدعائم الخفية التييقوم عليها بناء السماوات والأرض, وقد أدركها العلماء من خلال آثارها الظاهرةوالخفية في كل أشياء الكون المدركة.
توحيد القوي المعروفة في الكون المدرك كما تم توحيدقوتي الكهرباء والمغناطيسية في شكل قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية, يحاولالعلماء جمع تلك القوة مع القوة النووية الضعيفة باسم القوة الكهربائيةالضعيفة (TheElectroweakForce) حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجاتالحرارة العليا التي بدأ بها الكون, كذلك يحاول العلماء جمع القوة الكهربائيةالضعيفة والقوة النووية الشديدة في قوة واحدة وذلك في عدد من النظريات التي تعرفباسم نظريات المجال الواحد أو النظريات الموحدةالكبر يTheGrandUnifiedTheorie)) ثم جمع كل ذلك مع قوة الجاذبية فيما يسميباسم الجاذبية العظمي (Supergravity) التي يعتقد العلماء بأنها كانت القوةالوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء خلق الكون, ثم تمايزت إلي القويالأربع المعروفة لنا اليوم, والتي ينظر إليها علي أنها أوجه أربعة لتلك القوةالكونية الواحدة التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه, فالكونيبدو كنسيج شديد التلاحم والترابط, ورباطه هذه القوة العظمي الواحدة التي تنتشرفي كافة أرجائه, وفي جميع مكوناته وأجزائه وجزيئاته, وهذه القوة الواحدة تظهرلنا في هيئة العديد من صور الطاقة, والطاقة هي الوحدة الأساسية في الكون,والمادة مظهر من مظاهرها, وهي من غير الطاقة لا وجود لها, فالكون عبارة عنالمادة والطاقة ينتشران في كل من المكان والزمان بنسب وتركيزات متفاوتة فينتج عنهاذلك النسيج المحكم المحبوك في كل جزئية من جزئياته.
الجاذبية العامة من الثوابت العلمية أن الجاذبية العامةهي سنة من سنن الله في الكون أودعها ربنا تبارك وتعالي كافة أجزاء الكون ليربط تلكالاجزاء بها, وينص قانون هذه السنة الكونية بأن قوة التجاذب بين أي كتلتين فيالوجود تتناسب تناسبا طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما, وعكسيا مع مربع المسافةالفاصلة بينهما, ومعني ذلك أن قوة الجاذبية تزداد بازدياد كل من الكتلتينالمتجاذبتين, وتنقص بنقصهما, بينما تزداد هذه القوة بنقص المسافة الفاصلة بينالكتلتين, وتتناقص بتزايدها, ولما كان لأغلب أجرام السماء كتل مذهلة في ضخامتهافإن الجاذبية العامة هي الرباط الحقيقي لتلك الكتل علي الرغم من ضخامة المسافاتالفاصلة بينها, وهذه القوة الخفية( غير المرئية) تمثل النسيج الحقيقي الذييربط كافة أجزاء الكون كما هو الحال بين الأرض والسماء وهي القوة الرافعة للسماواتباذن الله بغير عمد مرئية. وهي نفس القوة التي تحكم تكور الأرض وتكور كافةأجرام السماء وتكور الكون كله, كما تحكم عملية تخلق النجوم بتكدس أجزاء من الدخانالكوني علي بعضها البعض, بكتلات محسوبة بدقة فائقة, وتخلق كافة أجرام السماءالأخري, كما تحكم دوران الأجرام السماوية كل حول محوره, وتحكم جرية في مداره,بل في أكثر من مدار واحد له, وهذه المدارات العديدة لاتصطدم فيها أجرام السماءرغم تداخلاتها وتعارضاتها الكثيرة, ويبقي الجرم السماوي في مداره المحدد بتعادلدقيق بين كل من قوي الجذب إلي الداخل بفعل الجاذبية وبين قوي الطرد إلي الخارج بفعلالقوة الطاردة( النابذة) المركزية.
وقوة الجاذبية العامة تعمل علي تحدب الكون أي تكوره وتجبركافة صور المادة والطاقة علي التحرك في السماء في خطوط منحنية( العروج), وتمسكبالأغلفة الغازية والمائية والحياتية للأرض, وتحدد سرعة الإفلات من سطحها,وبتحديد تلك السرعة يمكن إطلاق كل من الصواريخ والأقمار الصناعية. والجاذبيةالكمية (QuantumGravity) تجمع كافة القوانين المتعلقة بالجاذبية, معالأخذ في الحسبان جميع التأثيرات الكمية علي اعتبار أن إحداثيات الكون تتبع نموذجامشابها للاحداثيات الأرضية, وأن ابعاد الكون تتبع نموذجا مشابها للأرض بأبعادهاالثلاثة بالاضافة إلي كل من الزمان والمكان كبعد رابع.وعلي الرغم من كونها القوةالسائدة في الكون( بإذن الله) فإنها لاتزال سرا من أسرار الكون, وكل النظرياتالتي وضعت من أجل تفسيرها قد وقفت دون ذلك لعجزها عن تفسير كيفية نشأة هذه القوة,وكيفية عملها, وإن كانت هناك فروض تنادي بأن جاذبية الأرض ناتجة عن دورانها حولمحورها, وأن مجالها المغناطيسي ناتج عن دوران لب الأرض السائل والذي يتكون أساسامن الحديد والنيكل المنصهرين حول لبها الصلب والذي له نفس التركيب الكيميائيتقريبا, وكذلك الحال بالنسبة لبقية أجرام السماء.
موجات الجاذبية منذ العقدين الأولين من القرن العشرينتنادي العلماء بوجود موجات للجاذبية من الإشعاع التجاذبي تسري في كافة أجزاءالكون, وذلك علي أساس أنه بتحرك جسيمات مشحونة بالكهرباء مثل الإليكتروناتوالبروتونات الموجودة في ذرات العناصر والمركبات فإن هذه الجسيمات تكون مصحوبة فيحركتها باشعاعات من الموجات الكهرومغناطيسية, وقياسا علي ذلك فإن الجسيمات غيرالمشحونة( مثل النيوترونات) تكون مصحوبة في حركتها بموجات الجاذبية, ويعكفعلماء الفيزياء اليوم علي محاولة قياس تلك الأمواج, والبحث عن حاملها من جسيماتأولية في بناء المادة يحتمل وجوده في داخل ذرات العناصر والمركبات, واقترحوا لهاسم الجاذب أو الجرافيتون وتوقعوا أنه يتحرك بسرعة الضوء, وانطلاقا من ذلك تصورواأن موجات الجاذبية تسبح في الكون لتربط كافة أجزائه برباط وثيق من نواة الذرة إليالمجرة العظمي وتجمعاتها إلي كل الكون, وأن هذه الموجات التجاذبية هي من السننالأولي التي أودعها الله تعالي مادة الكون وكل المكان والزمان!! وهنا تجبالتفرقة بين قوة الجاذبية (TheGravitationalForce) وموجاتالجاذبية (TheGravitationalWaves), فبينما الأولي تمثل قوة الجذب للمادةالداخلة في تركيب جسم ماحين تتبادل الجذب مع جسم آخر, فإن الثانية هي أثر لقوةالجاذبية, وقد أشارت نظرية النسبية العامة إلي موجات الجاذبية الكونية علي أنهارابط بين المكان والزمان علي هيئة موجات تؤثر في حقول الجاذبية في الكون كما تؤثرعلي الأجرام السماوية التي تقابلها وقد بذلت محاولات كثيرة لاستكشاف موجات الجاذبيةالقادمة إلينا من خارج مجموعتنا الشمسية ولكنها لم تكلل بعد بالنجاح.
والجاذبية وموجاتها التي قامتبها السماوات والأرض منذ بدءخلقهما, ستكون سببا في هدم هذا البناء عندما يأذن الله( تعالي) بتوقف عمليةتوسع الكون فتبدأ الجاذبية وموجاتها في العمل علي انكماش الكون وإعادة جمع كافةمكوناته علي هيئة جرم واحد شبيه بالجرم الابتدائي الذي بدأ به خلق الكون وسبحانالقائل: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا عليناإنا كنا فاعلين (الأنبياء:104)
نظرية الخيوط العظمي وتماسك الكون في محاولة لجمع القويالأربع المعروفة في الكون( القوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة,والقوة الكهرومغناطيسية, وقوة الجاذبية) في صورة واحدة للقوة اقترح علماءالفيزياء مايعرف باسم نظرية الخيوط العظمي (TheTheoryOfSuperstrings) والتيتفترض أن الوحدات البانية للبنات الأولية للمادة من مثل الكواركات والفوتونات,والإليكترونات وغيرها) تتكون من خيوط طولية في حدود10 ــ35 من المتر, تلتفحول ذواتها علي هيئة الزنبرك المتناهي في ضآلة الحجم, فتبدو كما لو كانت نقاطا أوجسيمات, وهي ليست كذلك, وتفيد النظرية في التغلب علي الصعوبات التي تواجههاالدراسات النظرية في التعامل مع مثل تلك الأبعاد شديدة التضاؤل حيث تتضح الحاجة إليفيزياء كمية غير موجودة حاليا, ويمكن تمثيل حركة الجسيمات في هذه الحالة بموجاتتتحرك بطول الخيط, كذلك يمكن تمثيل انشطار تلك الجسيمات واندماجها مع بعضها البعضبانقسام تلك الخيوط والتحامها. وتقترح النظرية وجود مادةخفية (ShadowMatter) يمكنها أن تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبيةلتجعل من كل شيء في الكون( من نواة الذرة إلي المجرة العظمي وتجمعاتها المختلفةإلي كل السماء) بناء شديد الإحكام, قوي الترابط, وقد تكون هذه المادة الخفيةهي مايسمي باسم المادة الداكنة (DarkMatter) والتي يمكن أن تعوض الكتلالناقصة في حسابات الجزء المدرك من الكون, وقد تكون من القوي الرابطةله.
وتفسر النظرية جميع العلاقات المعروفة بين اللبنات الأوليةللمادة, وبين كافة القوي المعروفة في الجزء المدرك من الكون. وتفترض النظريةأن اللبنات الأولية للمادة ماهي إلا طرق مختلفة لتذبذب تلك الخيوط العظمي في كون ذيأحد عشربعدا, ومن ثم واذا كانت النظرية النسبية قد تحدثت عن كون منحن, منحنيةفيه الابعاد المكانية الثلاثة( الطول, العرض, والارتفاع) في بعد رابع هوالزمن, فإن نظرية الخيوط العظمي تتعامل مع كون ذي أحد عشر بعدا منها سبعة أبعادمطوية علي هيئة لفائف الخيوط العظمي التي لم يتمكن العلماء بعد من إدراكها وسبحانالقائل: الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
والله قد أنزل هذه الحقيقة الكونية علي خاتم أنبيائهورسله( صلي الله عليه وسلم) من قبل أربعة عشر قرنا, ولا يمكن لعاقل أن ينسبهاإلي مصدر غير الله الخالق.
الأهرام 2001/09/17
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزيدلالتها العلمية ـ 18 ـ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها... بقلمالدكتور: زغـلول النجـار
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سورةالرعد بقوله( عز من قائل): المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحقولكن أكثر الناس لايؤمنون. الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوي عليالعرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاءربكم توقنون [الرعد:1 و2]
وفي هاتين الآيتين الكريمتين يؤكد ربنا( تبارك وتعالي)أن الوحي بالقرآن الكريم إلي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) هوالحق المطلق, المنزل من الله( تعالي), والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه, وإن كان أكثر الناس لايؤمنون به. والإيمان بالوحي من ركائز الإيمانبالله, ودعائم الإسلام( أي التسليم له تعالي بالطاعة في العبادة) لأن الذييؤمن بأن الوحي هو كلام الله الخالق يسلم بمحتوي هذا الوحي من أمور الغيب وضوابطالسلوك من مثل قواعد العقيدة, وتفاصيل العبادة, ودستور الأخلاق وفقهالمعاملات, ومايصاحب ذلك من قصص الأمم السابقة( الذي جاء للعظة والاعتبار),وخطاب للنفس الإنسانية من خالقها وبارئها يهزها من الأعماق هزا, ويرقي بها إليمعارج الله العليا...!! وأول أسس العقيدة الصحيحة هو التوحيد الخالص لله تعاليبغير شريك ولاشبيه ولامنازع, والإيمان بما أنزل من غيب[ الإيمان بالله وملائكتهوكتبه ورسله( بغير تفريق ولاتمييز), وبالقدر خيره وشره( بكل الرضيوالتسليم), وبالبعث والحساب والجنة والنار, وبالخلود في حياة قادمة( بغيرأدني شك أو ريبة].
وهذا الإيمان الصحيح يستتبع الخضوع الكامل لله( تعالي)بالعبادة والطاعة, وحسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض في غير استعلاءولاتجبر, والسعي الحثيث لإقامة عدل الله( تعالي) فيها, وكل ذلك من صميمرسالة الإنسان في هذه الحياة, ومن ضرورات تحقيق النجاح فيها: والقرآن الكريمالذي أوحاه ربنا( تبارك وتعالي) إلي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليهوسلم), وتعهد بحفظه كلمة كلمة, وحرفا حرفا, فحفظ علي مدي أربعة عشر قرنا أويزيد, وإلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها يستدل علي صفائه الرباني,وعلي وحدانية الخالق العظيم, وطلاقة قدرته, وكمال علمه وحكمته بآياته الكريمةذاتها, ومالها من جمال, وكمال, وصدق, كما يستدل علي ذلك أيضا بعدد من آياتالله الكونية الكبري وفي مقدمتها رفع السماوات بغير عمد يراها الناس...!!! وهو منالأمور الظاهرة للعيان, والشاهدة علي أن للكون إلها خالقا, قادرا, حكيما,عليما, أبدع هذا الكون بعلمه, وحكمته وقدرته, وهو قادر علي إفنائه, وعليإعادة خلقه من جديد.
وعلي الرغم من ذلك فإن أكثر الناس غافلون عن كل هذهالحقائق, ومضيعون أعمارهم في شقاق, ونفاق, وعناد, من أجل الخروج علي منهجالله, واتباع الشهوات المحرمة, والمتع الخاطئة المدمرة, والاستعلاء الكاذب فيالأرض, والولوغ في الظلم, وإفساد الحياة..!!! وأغلب المنكرين لدين اللهالحق الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهمأجمعين) ينطلقون من غفلتهم هذه لينكروا البعث, والحساب, والجنة, والنار,والخلود في حياة قادمة انطلاقا من كفرهم بالله الخالق, وبملائكته, وكتبه,ورسله, ولايجدون في رفع السماء بغير عمد يرونها آية من الآيات المادية الملموسةالتي نشهد له( تعالي) بطلاقة القدرة, وكمال الحكمة, ودقةالتدبير..!!!
وتستمر الآيات القرآنية في نفس السورة باستعراض عدد غيرقليل من آيات الله في الكون لعلها توقظ أصحاب العقول الغافلة, والضمائر الميتة إنكانت لديهم بقية من القدرة علي التفكير السليم, أو التعقل الراجح. فإن أصرواعلي كفرهم بالله, وإنكارهم لرسالته الخاتمة, وماتضمنته من أمور غيبية, وفيمقدمتها قضية البعث, فليس من جزاء لهم أقل من الخلود في النار, والاغلال فيأعناقهم, إمعانا في إذلالهم جزاء كفرهم وإنكارهم لآيات الله الخالق المقروءة فيرسالته الخاتمة والمنظورة في كونه البديع..!!! ورفع السماوات بغير عمد يراهاالناس مع ضخامة أبعادها, وتعاظم أجرامها عددا وحجما وكتلة, هو من أوضح الأدلةعلي أن هذا الكون الشاسع الاتساع, الدقيق البناء, المحكم الحركة والمنضبط في كلأمر من أموره لايمكن أن يكون نتاج المصادفة المحضة, أو أن يكون قد أوجد نفسهبنفسه, بل لابد له من موجد عظيم له من صفات الكمال والجمال والجلال والقدرةمايغاير صفات خلقه قاطبة: ليس كمثله شيء وهو السميعالبصير [الشوري:11]
من أجل ذلك يؤكد القرآن الكريم حقيقة رفع السماوات بغيرعمد يراها الناس, وإبقاءها سقفا مرفوعا, وحفظها من الوقوع علي الأرض ومن الزوالإلا بإذن الله, وذلك في عدد من آيات أخري من كتابه العزيز يقول فيها ربنا(تبارك وتعالي):
[1] خلق السماوات بغير عمدترونها.. (لقمان:10)
[2] وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتهامعرضون. (الأنبياء:32)
[3] ويمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه إن اللهبالناس لرءوف رحيم (الحج:65)
[4] ومن آياته أن تقوم السماء والأرضبأمره. (الروم:25)
[5] إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتاإن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا (فاطر:41)
[6] والسقف المرفوع (الطور:5)
[7] والسماء رفعها ووضع الميزان (الرحمن:7)
[8] ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكهافسواها (النازعات:28,27)
[9] أفلا ينظرون إلي الابل كيف خلقت وإلي السماء كيفرفعت ( الغاشية:18,17)
[10] والسماء ومابناها (الشمس:5)
فكيف رفعت السماوات بغير عمد يراها الناس؟ وهل معني الآيةالكريمة ان السماء لها عمد غير مرئية أم ليس لها عمد علي الإطلاق؟ هذا ماسوف نفصلهفي السطور التالية بإذن الله( تعالي) وقبل الدخول في ذلك لابد لنا من شرحلفظ( عمد) في اللغة العربية وفي القرآن الكريم.
لفظة( العمد) في اللغة العربية
ثبات كواكبالمجموعة الشمسية بالتعادل بين قوة الجاذبية والقوة الطاردة المركزية يقال:(عمد) للشيء بمعني قصد له أي( تعمده), و(العمد) و(التعمد) هو قصدالشيء بالنية وهو ضد كل من السهو والخطأ, و(العمد) علي الشيء الاستنادإليه, ويقال:( عمد) الشيء( فانعمد) أي أقامه( بعماد)( يعتمد)عليه, و(عمدت) الشيء إذا أسندته, و(عمدت) الحائط مثله, و(العمود)ماتقام أو تعتمد عليه الخيمة من خشب أو نحوه ويعرف باسم( عمود البيت), وجمعه فيالقلة( أعمدة), وفي الكثرة( عمد) بفتحتين و(عمد) بضمتين, و(عمود)القوم و(عميدهم) السيد الذي( يعمده) الناس, و(العمدة) بالضم ما(يعتمد) عليه وجمعه( عمد), و(العماد) بالكسر ما( يعتمد) أو هو الأبنيةالرفيعة( تذكر وتؤنت) والواحدة( عمادة) ويقال:( اعتمد) علي الشيء بمعنياتكأعليه, و(اعتمد) عليه في كذا اتكل عليه, وفلان رفيع( العماد) أي هورفيع عند الاعتماد عليه, ويقال: سطع( عمود) الصبح أي ابتدأ طلوع نورهتشبيها( للعمود) والقلب( العميد) الذي يعمده الحزن, والجسد( العميد)الذي يعمده السقم, وقد( عمد) توجع من حزن أو غضب أو سقم, و(عمد) البعيرتوجع من عقر ظهره.
لفظة( العمد) في القرآن الكريم وردت لفظة( عمد)في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع علي النحو التالي:
[1] الله الذي رفع السماوات بغير عمدترونها (الرعد:2)
[2] خلق السماوات بغير عمدترونها.. (لقمان:10)
[3] نار الله الموقدة. التي تطلع علي الأفئدة. إنهاعليهم مؤصدة. في عمد ممدة (الهمزة:6 ــ9)
ووردت لفظة( عماد) في موضع واحد يقول فيه ربنا(تبارك وتعالي): ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. التي لم يخلقمثلها في البلاد. (الفجر:6 ـ8)
وجاء الفعل( تعمد) ومشتقاتها في كتاب الله الكريم فيثلاثة مواضع علي النحو التالي: [1] وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكنماتعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما (الأحزاب:5)
[2] ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضبالله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (النساء:93)
[3] ومن قتله منكممتعمدا.. (المائدة:95)
آراء المفسرين تعددت آراء المفسرين في شرح قوله(تعالي): الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها..( الرعد:2) وقوله(عز من قائل): خلق السماوات بغير عمد ترونها.. (لقمان:10)
فقال ابن كثير( يرحمه الله): السماء علي الأرض مثلالقبة, يعني بلا عمد, وهذا هو اللائق بالسياق, والظاهر من قوله تعالي(ويمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه) فعلي ذلك يكون قوله:( ترونها)تأكيدا لنفي ذلك, أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها, وهذا هو الأكمل فيالقدرة. كذلك روي ابن كثير عن ابن عباس( رضي الله عنهما) وعن كل من مجاهدوالحسن( عليهما رضوان الله) أنهم قالوا: لها عمد ولكن لاتري, فتكون(ترونها) صفة( عمد) أي بغير عمد مرئية( أبو بعمد غير مرئية), وأضاف أن هذاالتأويل خلاف الظاهر المتبادر ولذلك ضعفه ابن كثير.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( يرحمهما الله): أن(العمد) جمع( عماد) وهو الاسطوانة[ أي أن العمد موجودة ولكنكم لاترونها],وهو صادق أن لا عمد أصلا. وفي تعليقه علي هذا التفسير ذكر كنعان( أمد اللهفي عمره): قوله: وهو صادق بأن لاعمد لها أصلا هو إشارة إلي الوجه الثاني عليالقول بأن( ترونها) صفة لــ( عمد), والضمير عائد إليها والمعني: رفعهاخالية عن عمد مرئية, وانتفاء العمد المرئية يحتمل انتفاء الرؤية فقط أي: لهاعمد ولكنها غير مرئية, ويحتمل انتفاء العمد والرؤية جميعا أي: لاعمد أصلا كماذكر الجلال السيوطي( يرحمه الله), وفي قول آخر:( ترونها) مستأنفة,وضميرها يعود لــ( السماوات), والمعني: رفعها بلا عمد أصلا وأنتم ترونهاكذلك..
وذكر محمد عبده( رحمه الله) في تفسير قوله(تعالي): والسماء ومابناها مانصه: السماء اسم لما علاك وارتفع فوق رأسك وأنتإنما تتصور عند سماعك لفظ السماء هذا الكون الذي فوقك فيه الشمس والقمر وسائرالكواكب تجري في مجاريها, وتتحرك في مداراتها, هذا هو السماء. وقد بناه اللهأي رفعه وجعل كل كوكب من الكواكب منه بمنزلة لبنة من بناء سقف أو قبة أو جدران تحيطبك, وشد هذه الكواكب بعضها إلي بعض برباط الجاذبية العامة, كما تربط أجزاءالبناء الواحد بما يوضع بينها مما تتماسك به. وقال صاحب الظلال( يرحمهالله): والسماوات ــ أيا كان مدلولها, وأيا كان مايدركه الناس من لفظها في شتيالعصور ــ معروضة علي أنظار, هائلة ــ ولاشك ــ حين يخلو الناس إلي تأملهالحظة, وهي هكذا لاتستند إلي شيء, مرفوعة( بغير عمد) مكشوفة( ترونها)..ما من أحد يقدر علي رفعها بلا عمد ــ أو حتي بعمد ــ إلا الله..
وذكر الغمراوي( يرحمه الله) واعجب معي من إعجازالأسلوب والمعني معا في قوله تعالي:( بغير عمد ترونها) في كل من خلق السماءورفعها. فلو قيل( بغير عمد) فحسب لكان ذلك نفيا مطلقا للعمد, مرئية وغيرمرئية, والنفي المطلق يخالف الواقع الذي علم الله أنه سيهدي إليه عباده بعد نحوألف وخمسين عاما من اختتام القرآن, فكأن من الإعجاز المزدوج أن يقيد الله نفيالعمد في الخلق والرفع بقوله( ترونها), والضمير المنصوب في( ترونها) يرجعأولا إلي أقرب مذكور وهو( عمد) فيكون المعني: بغير عمد مرئية, أي بعمد منشأنها وفطرتها ألا تري, والفعل المضارع في اللغة يشمل الحال والاستقبال أو هو حالمستمر, لأن القرآن مخاطب به الناس في كل عصر. وإذا أعيد الضمير إلي السماءكان المعني: أن السماء ترونها مخلوقة مرفوعة بغير عمد, وتكون العمد مايعهدهالناس في أبنية الأرض, ونفيها بهذا المعني عن السماء المرفوعة أيضا أمر عجيبلايقدر عليه إلا الله وكلا الوجهين مفهوم من التعبير القرآني طبق اللغة, وإن كانالأولي في اللغة هو الوجه الأول الذي يحوي الإعجاز العلمي, وإذن فالوجهان كلاهمامرادان بالتعبير الكريم إذ لامانع من أحدهما والزمخشري فهم المعنيين علي التخيير,وإن أعطي الأولوية للمعني المستفاد من جعل( ترونها) صفة للعمد, أي بغير عمدمرئية, يعني أن عمدها لاتري, وهي إمساكها بقدرته.
أما الفخر الرازي فلم يرصد إلا هذا المعني الثاني إذيقول: إنه رفع السماء بغير عمد ترونها, أي لاعمد في الحقيقة إلا أن تلك العمدهي قدرة الله تعالي وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الحيز الحالي, وإنهم( أيالناس) لايرون ذلك التدبير ولايعرفون كيفية ذلك الإمساك. وأضاف الغمراوي(يرحمه الله) وقد عرف علماء الفلك الحديث كيفية ذلك عن طريق تلك السنة الكونيةالعجيبة المذهلة: سنة الجاذبية العامة, التي قامت وتقوم بها السماوات والأرضبأمر الله كما قال سبحانه: ومن آياته أن تقوم السماء والأرضبأمره (الروم:25)
وقد بقي من صور التعبير صورة, وهي أن يقال:( بعمدلاترونها) بدلا من( بغير عمد ترونها) في الآيتين الكريمتين, وقد تجنبهاالقرآن لحكمة بالغة, فلو أنها جاءت فيه هكذا لاتجهت الافكار باديء ذي بدء إليإثبات عمد في السماء أو للسماء, كالتي يعرفونها فيما يعلون من بنيان, ولأثبتالعلم بطلان ذلك, وإن جاز علي أهل العصور قبل, وجل وعز وجه الله أن يلم خطأمابكتابه من قريب أو بعيد. وذكر الصابوني( أمد الله في عمره) في تفسيرقوله تعالي: الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها مانصه: أي خلقهامرتفعة البناء, قائمة بقدرته لاتستند علي شيء حال كونكم تشاهدونها وتنظرونها بغيردعائم, وذلك دليل علي وجود الخالق المبدع الحكيم
العمد غير المرئية في العلوم الكونية تشير الدراساتالكونية إلي وجود قوي مستترة, في اللبنات الأولية للمادة وفي كل من الذراتوالجزيئات وفي كافة أجرام السماء, تحكم بناء الكون وتمسك بأطرافه إلي أن يشاءالله تعالي فيدمره ويعيد خلق غيره من جديد. ومن القوي التي تعرف عليها العلماءفي كل من الأرض والسماء أربع صور, يعتقد بأنها أوجه متعددة لقوة عظمي واحدة تسريفي مختلف جنبات الكون لتربطه برباط وثيق وإلا لانفرط عقده وهذه القويهي:
(1) القوة النووية الشديدة وهي القوة التي تقوم بربطالجزيئات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة برباط متين من مثل البروتونات,والنيوترونات ولبناتهما الأولية المسماة بالكواركات (QUARKS) بأنواعهاالمختلفة وأضدادها ((Anti-Quarks كما تقوم بدمج والتحام نوي الذرات معبعضها البعض في عمليات الاندماج النووي (nuclearfusion) التي تتم في داخلالنجوم, كما تتم في العديد من التجارب المختبرية, وهي أشد أنواع القوي الطبيعيةالمعروفة لنا في الجزء المدرك من الكون ولذا تعرف باسم القوة الشديدة ولكن هذهالشدة البالغة في داخل نواة الذرة تتضاءل عبر المسافات الأكبر ولذلك يكاد دورهايكون محصورا في داخل نوي الذرات, وبين تلك النوي ومثيلاتها, وهذه القوي تحملعلي جسيمات غير مرئية تسمي باسم اللاحمة أو جليون (gluon) لم تكتشف إلا فيأواخر السبعينيات من القرن العشرين, وفكرة القنبلة النووية قائمة علي اطلاق هذهالقوة التي تربط بين لبنات نواة الذرة, وهذه القوة لازمة لبناء الكون لأنها لوانعدمت لعاد الكون إلي حالته الأولي لحظة الانفجار العظيم حين تحول الجرم الابتدائيالأولي الذي نشأ عن انفجاره كل الكون إلي سحابة من اللبنات الأولية للمادة التيلايربطها رابط, ومن ثم لايمكنها بناء أي منأجرام السماء.
(2) القوة النووية الضعيفة: وهي قوة ضعيفة وذات مديضعيف للغاية لا يتعدي حدود الذرة وتساوي10 ــ13 من شدة القوة النوويةالشديدة, وتقوم بتنظيم عملية تفكك وتحلل بعض الجسيمات الأولية للمادة في داخلالذرة كما يحدث في تحلل العناصر المشعة, وعلي ذلك فهي تتحكم في عملية فناءالعناصر حيث إن لكل عنصر أجلا مسمي, وتحمل هذه القوة علي جسيمات إما سالبة أوعديمة الشحنة تسمي البوزونات (bosons).
(3) القوة الكهربائية المغناطيسية(الكهرومغناطيسية): وهي القوة التي تربط الذرات بعضها ببعض في داخل جزيئاتالمادة مما يعطي للمواد المختلفة صفاتها الطبيعية والكيميائية, ولولا هذه القوةلكان الكون مليئا بذرات العناصر فقط ولما كانت هناك جزيئات أو مركبات, ومن ثم ماكانت هناك حياة علي الاطلاق. وهذه القوة هي التي تؤدي إلي حدوث الاشعاعالكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات الضوء أو مايعرف باسم الكمالضوئي. (PhotonsorphotonQuantum) وتنطلق الفوتونات بسرعة الضوء لتؤثر فيجميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلاتالكيميائية وفي العديد من العمليات الفيزيائية وتبلغ قوتها137/1 من القوة النوويةالشديدة.
(4) قوة الجاذبية: وهي علي المدي القصير تعتبر أضعفالقوي المعروفة لنا, وتساوي10 ــ39 من القوة النووية الشديدة, ولكن عليالمدي الطويل تصبح القوة العظمي في الكون, نظرا لطبيعتها التراكمية فتمسك بكافةأجرام السماء, وبمختلف تجمعاتها, ولولا هذا الرباط الحاكم الذي أودعه الله(تعالي) في الأرض وفي أجرام السماء ما كانت الأرض ولا كانت السماء ولو زال هذاالرباط لانفرط عقد الكون وانهارت مكوناته. ولايزال أهل العلم يبحثون عن موجاتالجاذبية المنتشرة في أرجاء الكون كله, منطلقة بسرعة الضوء دون أن تري, ويفترضوجود هذه القوة علي هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد يطلق عليها اسمالجسيم الجاذب أو( الجرافيتون) (Graviton) وعلي ذلك فإن الجاذبية هيأربطة الكون.
والجاذبية مرتبطة بكتل الأجرام وبمواقعها بالنسبة لبعضهاالبعض, فكلما تقاربت أجرام السماء, وزادت كتلها, زادت قوي الجذب بينها,والعكس صحيح, ولذلك يبدو أثر الجاذبية أوضح مايكون بين أجرام السماء التي يمسكالأكبر فيها بالأصغر بواسطة قوي الجاذبية, ومع دوران الأجرام حول نفسها تنشأالقوة الطاردة( النابذة) المركزية التي تدفع بالاجرام الصغيرة بعيدا عن الأجرامالأكبر التي تجذبها حتي تتساوي القوتان المتضادتان: قوة الجذب إلي الداخل, وقوةالطرد إلي الخارج فتتحدد بذلك مدارات كافة أجرام السماء التي يسبح فيها كل جرمسماوي دون أدني تعارض أو اصطدام. هذه القوي الأربع هي الدعائم الخفية التييقوم عليها بناء السماوات والأرض, وقد أدركها العلماء من خلال آثارها الظاهرةوالخفية في كل أشياء الكون المدركة.
توحيد القوي المعروفة في الكون المدرك كما تم توحيدقوتي الكهرباء والمغناطيسية في شكل قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية, يحاولالعلماء جمع تلك القوة مع القوة النووية الضعيفة باسم القوة الكهربائيةالضعيفة (TheElectroweakForce) حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجاتالحرارة العليا التي بدأ بها الكون, كذلك يحاول العلماء جمع القوة الكهربائيةالضعيفة والقوة النووية الشديدة في قوة واحدة وذلك في عدد من النظريات التي تعرفباسم نظريات المجال الواحد أو النظريات الموحدةالكبر يTheGrandUnifiedTheorie)) ثم جمع كل ذلك مع قوة الجاذبية فيما يسميباسم الجاذبية العظمي (Supergravity) التي يعتقد العلماء بأنها كانت القوةالوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء خلق الكون, ثم تمايزت إلي القويالأربع المعروفة لنا اليوم, والتي ينظر إليها علي أنها أوجه أربعة لتلك القوةالكونية الواحدة التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه, فالكونيبدو كنسيج شديد التلاحم والترابط, ورباطه هذه القوة العظمي الواحدة التي تنتشرفي كافة أرجائه, وفي جميع مكوناته وأجزائه وجزيئاته, وهذه القوة الواحدة تظهرلنا في هيئة العديد من صور الطاقة, والطاقة هي الوحدة الأساسية في الكون,والمادة مظهر من مظاهرها, وهي من غير الطاقة لا وجود لها, فالكون عبارة عنالمادة والطاقة ينتشران في كل من المكان والزمان بنسب وتركيزات متفاوتة فينتج عنهاذلك النسيج المحكم المحبوك في كل جزئية من جزئياته.
الجاذبية العامة من الثوابت العلمية أن الجاذبية العامةهي سنة من سنن الله في الكون أودعها ربنا تبارك وتعالي كافة أجزاء الكون ليربط تلكالاجزاء بها, وينص قانون هذه السنة الكونية بأن قوة التجاذب بين أي كتلتين فيالوجود تتناسب تناسبا طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما, وعكسيا مع مربع المسافةالفاصلة بينهما, ومعني ذلك أن قوة الجاذبية تزداد بازدياد كل من الكتلتينالمتجاذبتين, وتنقص بنقصهما, بينما تزداد هذه القوة بنقص المسافة الفاصلة بينالكتلتين, وتتناقص بتزايدها, ولما كان لأغلب أجرام السماء كتل مذهلة في ضخامتهافإن الجاذبية العامة هي الرباط الحقيقي لتلك الكتل علي الرغم من ضخامة المسافاتالفاصلة بينها, وهذه القوة الخفية( غير المرئية) تمثل النسيج الحقيقي الذييربط كافة أجزاء الكون كما هو الحال بين الأرض والسماء وهي القوة الرافعة للسماواتباذن الله بغير عمد مرئية. وهي نفس القوة التي تحكم تكور الأرض وتكور كافةأجرام السماء وتكور الكون كله, كما تحكم عملية تخلق النجوم بتكدس أجزاء من الدخانالكوني علي بعضها البعض, بكتلات محسوبة بدقة فائقة, وتخلق كافة أجرام السماءالأخري, كما تحكم دوران الأجرام السماوية كل حول محوره, وتحكم جرية في مداره,بل في أكثر من مدار واحد له, وهذه المدارات العديدة لاتصطدم فيها أجرام السماءرغم تداخلاتها وتعارضاتها الكثيرة, ويبقي الجرم السماوي في مداره المحدد بتعادلدقيق بين كل من قوي الجذب إلي الداخل بفعل الجاذبية وبين قوي الطرد إلي الخارج بفعلالقوة الطاردة( النابذة) المركزية.
وقوة الجاذبية العامة تعمل علي تحدب الكون أي تكوره وتجبركافة صور المادة والطاقة علي التحرك في السماء في خطوط منحنية( العروج), وتمسكبالأغلفة الغازية والمائية والحياتية للأرض, وتحدد سرعة الإفلات من سطحها,وبتحديد تلك السرعة يمكن إطلاق كل من الصواريخ والأقمار الصناعية. والجاذبيةالكمية (QuantumGravity) تجمع كافة القوانين المتعلقة بالجاذبية, معالأخذ في الحسبان جميع التأثيرات الكمية علي اعتبار أن إحداثيات الكون تتبع نموذجامشابها للاحداثيات الأرضية, وأن ابعاد الكون تتبع نموذجا مشابها للأرض بأبعادهاالثلاثة بالاضافة إلي كل من الزمان والمكان كبعد رابع.وعلي الرغم من كونها القوةالسائدة في الكون( بإذن الله) فإنها لاتزال سرا من أسرار الكون, وكل النظرياتالتي وضعت من أجل تفسيرها قد وقفت دون ذلك لعجزها عن تفسير كيفية نشأة هذه القوة,وكيفية عملها, وإن كانت هناك فروض تنادي بأن جاذبية الأرض ناتجة عن دورانها حولمحورها, وأن مجالها المغناطيسي ناتج عن دوران لب الأرض السائل والذي يتكون أساسامن الحديد والنيكل المنصهرين حول لبها الصلب والذي له نفس التركيب الكيميائيتقريبا, وكذلك الحال بالنسبة لبقية أجرام السماء.
موجات الجاذبية منذ العقدين الأولين من القرن العشرينتنادي العلماء بوجود موجات للجاذبية من الإشعاع التجاذبي تسري في كافة أجزاءالكون, وذلك علي أساس أنه بتحرك جسيمات مشحونة بالكهرباء مثل الإليكتروناتوالبروتونات الموجودة في ذرات العناصر والمركبات فإن هذه الجسيمات تكون مصحوبة فيحركتها باشعاعات من الموجات الكهرومغناطيسية, وقياسا علي ذلك فإن الجسيمات غيرالمشحونة( مثل النيوترونات) تكون مصحوبة في حركتها بموجات الجاذبية, ويعكفعلماء الفيزياء اليوم علي محاولة قياس تلك الأمواج, والبحث عن حاملها من جسيماتأولية في بناء المادة يحتمل وجوده في داخل ذرات العناصر والمركبات, واقترحوا لهاسم الجاذب أو الجرافيتون وتوقعوا أنه يتحرك بسرعة الضوء, وانطلاقا من ذلك تصورواأن موجات الجاذبية تسبح في الكون لتربط كافة أجزائه برباط وثيق من نواة الذرة إليالمجرة العظمي وتجمعاتها إلي كل الكون, وأن هذه الموجات التجاذبية هي من السننالأولي التي أودعها الله تعالي مادة الكون وكل المكان والزمان!! وهنا تجبالتفرقة بين قوة الجاذبية (TheGravitationalForce) وموجاتالجاذبية (TheGravitationalWaves), فبينما الأولي تمثل قوة الجذب للمادةالداخلة في تركيب جسم ماحين تتبادل الجذب مع جسم آخر, فإن الثانية هي أثر لقوةالجاذبية, وقد أشارت نظرية النسبية العامة إلي موجات الجاذبية الكونية علي أنهارابط بين المكان والزمان علي هيئة موجات تؤثر في حقول الجاذبية في الكون كما تؤثرعلي الأجرام السماوية التي تقابلها وقد بذلت محاولات كثيرة لاستكشاف موجات الجاذبيةالقادمة إلينا من خارج مجموعتنا الشمسية ولكنها لم تكلل بعد بالنجاح.
والجاذبية وموجاتها التي قامتبها السماوات والأرض منذ بدءخلقهما, ستكون سببا في هدم هذا البناء عندما يأذن الله( تعالي) بتوقف عمليةتوسع الكون فتبدأ الجاذبية وموجاتها في العمل علي انكماش الكون وإعادة جمع كافةمكوناته علي هيئة جرم واحد شبيه بالجرم الابتدائي الذي بدأ به خلق الكون وسبحانالقائل: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا عليناإنا كنا فاعلين (الأنبياء:104)
نظرية الخيوط العظمي وتماسك الكون في محاولة لجمع القويالأربع المعروفة في الكون( القوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة,والقوة الكهرومغناطيسية, وقوة الجاذبية) في صورة واحدة للقوة اقترح علماءالفيزياء مايعرف باسم نظرية الخيوط العظمي (TheTheoryOfSuperstrings) والتيتفترض أن الوحدات البانية للبنات الأولية للمادة من مثل الكواركات والفوتونات,والإليكترونات وغيرها) تتكون من خيوط طولية في حدود10 ــ35 من المتر, تلتفحول ذواتها علي هيئة الزنبرك المتناهي في ضآلة الحجم, فتبدو كما لو كانت نقاطا أوجسيمات, وهي ليست كذلك, وتفيد النظرية في التغلب علي الصعوبات التي تواجههاالدراسات النظرية في التعامل مع مثل تلك الأبعاد شديدة التضاؤل حيث تتضح الحاجة إليفيزياء كمية غير موجودة حاليا, ويمكن تمثيل حركة الجسيمات في هذه الحالة بموجاتتتحرك بطول الخيط, كذلك يمكن تمثيل انشطار تلك الجسيمات واندماجها مع بعضها البعضبانقسام تلك الخيوط والتحامها. وتقترح النظرية وجود مادةخفية (ShadowMatter) يمكنها أن تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبيةلتجعل من كل شيء في الكون( من نواة الذرة إلي المجرة العظمي وتجمعاتها المختلفةإلي كل السماء) بناء شديد الإحكام, قوي الترابط, وقد تكون هذه المادة الخفيةهي مايسمي باسم المادة الداكنة (DarkMatter) والتي يمكن أن تعوض الكتلالناقصة في حسابات الجزء المدرك من الكون, وقد تكون من القوي الرابطةله.
وتفسر النظرية جميع العلاقات المعروفة بين اللبنات الأوليةللمادة, وبين كافة القوي المعروفة في الجزء المدرك من الكون. وتفترض النظريةأن اللبنات الأولية للمادة ماهي إلا طرق مختلفة لتذبذب تلك الخيوط العظمي في كون ذيأحد عشربعدا, ومن ثم واذا كانت النظرية النسبية قد تحدثت عن كون منحن, منحنيةفيه الابعاد المكانية الثلاثة( الطول, العرض, والارتفاع) في بعد رابع هوالزمن, فإن نظرية الخيوط العظمي تتعامل مع كون ذي أحد عشر بعدا منها سبعة أبعادمطوية علي هيئة لفائف الخيوط العظمي التي لم يتمكن العلماء بعد من إدراكها وسبحانالقائل: الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
والله قد أنزل هذه الحقيقة الكونية علي خاتم أنبيائهورسله( صلي الله عليه وسلم) من قبل أربعة عشر قرنا, ولا يمكن لعاقل أن ينسبهاإلي مصدر غير الله الخالق.
الأهرام 2001/09/17
لإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزيدلالتها العلمية ـ 18 ـ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها... بقلمالدكتور: زغـلول النجـار
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سورةالرعد بقوله( عز من قائل): المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحقولكن أكثر الناس لايؤمنون. الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوي عليالعرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاءربكم توقنون [الرعد:1 و2]
وفي هاتين الآيتين الكريمتين يؤكد ربنا( تبارك وتعالي)أن الوحي بالقرآن الكريم إلي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) هوالحق المطلق, المنزل من الله( تعالي), والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه, وإن كان أكثر الناس لايؤمنون به. والإيمان بالوحي من ركائز الإيمانبالله, ودعائم الإسلام( أي التسليم له تعالي بالطاعة في العبادة) لأن الذييؤمن بأن الوحي هو كلام الله الخالق يسلم بمحتوي هذا الوحي من أمور الغيب وضوابطالسلوك من مثل قواعد العقيدة, وتفاصيل العبادة, ودستور الأخلاق وفقهالمعاملات, ومايصاحب ذلك من قصص الأمم السابقة( الذي جاء للعظة والاعتبار),وخطاب للنفس الإنسانية من خالقها وبارئها يهزها من الأعماق هزا, ويرقي بها إليمعارج الله العليا...!! وأول أسس العقيدة الصحيحة هو التوحيد الخالص لله تعاليبغير شريك ولاشبيه ولامنازع, والإيمان بما أنزل من غيب[ الإيمان بالله وملائكتهوكتبه ورسله( بغير تفريق ولاتمييز), وبالقدر خيره وشره( بكل الرضيوالتسليم), وبالبعث والحساب والجنة والنار, وبالخلود في حياة قادمة( بغيرأدني شك أو ريبة].
وهذا الإيمان الصحيح يستتبع الخضوع الكامل لله( تعالي)بالعبادة والطاعة, وحسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض في غير استعلاءولاتجبر, والسعي الحثيث لإقامة عدل الله( تعالي) فيها, وكل ذلك من صميمرسالة الإنسان في هذه الحياة, ومن ضرورات تحقيق النجاح فيها: والقرآن الكريمالذي أوحاه ربنا( تبارك وتعالي) إلي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليهوسلم), وتعهد بحفظه كلمة كلمة, وحرفا حرفا, فحفظ علي مدي أربعة عشر قرنا أويزيد, وإلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها يستدل علي صفائه الرباني,وعلي وحدانية الخالق العظيم, وطلاقة قدرته, وكمال علمه وحكمته بآياته الكريمةذاتها, ومالها من جمال, وكمال, وصدق, كما يستدل علي ذلك أيضا بعدد من آياتالله الكونية الكبري وفي مقدمتها رفع السماوات بغير عمد يراها الناس...!!! وهو منالأمور الظاهرة للعيان, والشاهدة علي أن للكون إلها خالقا, قادرا, حكيما,عليما, أبدع هذا الكون بعلمه, وحكمته وقدرته, وهو قادر علي إفنائه, وعليإعادة خلقه من جديد.
وعلي الرغم من ذلك فإن أكثر الناس غافلون عن كل هذهالحقائق, ومضيعون أعمارهم في شقاق, ونفاق, وعناد, من أجل الخروج علي منهجالله, واتباع الشهوات المحرمة, والمتع الخاطئة المدمرة, والاستعلاء الكاذب فيالأرض, والولوغ في الظلم, وإفساد الحياة..!!! وأغلب المنكرين لدين اللهالحق الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهمأجمعين) ينطلقون من غفلتهم هذه لينكروا البعث, والحساب, والجنة, والنار,والخلود في حياة قادمة انطلاقا من كفرهم بالله الخالق, وبملائكته, وكتبه,ورسله, ولايجدون في رفع السماء بغير عمد يرونها آية من الآيات المادية الملموسةالتي نشهد له( تعالي) بطلاقة القدرة, وكمال الحكمة, ودقةالتدبير..!!!
وتستمر الآيات القرآنية في نفس السورة باستعراض عدد غيرقليل من آيات الله في الكون لعلها توقظ أصحاب العقول الغافلة, والضمائر الميتة إنكانت لديهم بقية من القدرة علي التفكير السليم, أو التعقل الراجح. فإن أصرواعلي كفرهم بالله, وإنكارهم لرسالته الخاتمة, وماتضمنته من أمور غيبية, وفيمقدمتها قضية البعث, فليس من جزاء لهم أقل من الخلود في النار, والاغلال فيأعناقهم, إمعانا في إذلالهم جزاء كفرهم وإنكارهم لآيات الله الخالق المقروءة فيرسالته الخاتمة والمنظورة في كونه البديع..!!! ورفع السماوات بغير عمد يراهاالناس مع ضخامة أبعادها, وتعاظم أجرامها عددا وحجما وكتلة, هو من أوضح الأدلةعلي أن هذا الكون الشاسع الاتساع, الدقيق البناء, المحكم الحركة والمنضبط في كلأمر من أموره لايمكن أن يكون نتاج المصادفة المحضة, أو أن يكون قد أوجد نفسهبنفسه, بل لابد له من موجد عظيم له من صفات الكمال والجمال والجلال والقدرةمايغاير صفات خلقه قاطبة: ليس كمثله شيء وهو السميعالبصير [الشوري:11]
من أجل ذلك يؤكد القرآن الكريم حقيقة رفع السماوات بغيرعمد يراها الناس, وإبقاءها سقفا مرفوعا, وحفظها من الوقوع علي الأرض ومن الزوالإلا بإذن الله, وذلك في عدد من آيات أخري من كتابه العزيز يقول فيها ربنا(تبارك وتعالي):
[1] خلق السماوات بغير عمدترونها.. (لقمان:10)
[2] وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتهامعرضون. (الأنبياء:32)
[3] ويمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه إن اللهبالناس لرءوف رحيم (الحج:65)
[4] ومن آياته أن تقوم السماء والأرضبأمره. (الروم:25)
[5] إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتاإن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا (فاطر:41)
[6] والسقف المرفوع (الطور:5)
[7] والسماء رفعها ووضع الميزان (الرحمن:7)
[8] ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكهافسواها (النازعات:28,27)
[9] أفلا ينظرون إلي الابل كيف خلقت وإلي السماء كيفرفعت ( الغاشية:18,17)
[10] والسماء ومابناها (الشمس:5)
فكيف رفعت السماوات بغير عمد يراها الناس؟ وهل معني الآيةالكريمة ان السماء لها عمد غير مرئية أم ليس لها عمد علي الإطلاق؟ هذا ماسوف نفصلهفي السطور التالية بإذن الله( تعالي) وقبل الدخول في ذلك لابد لنا من شرحلفظ( عمد) في اللغة العربية وفي القرآن الكريم.
لفظة( العمد) في اللغة العربية
ثبات كواكبالمجموعة الشمسية بالتعادل بين قوة الجاذبية والقوة الطاردة المركزية يقال:(عمد) للشيء بمعني قصد له أي( تعمده), و(العمد) و(التعمد) هو قصدالشيء بالنية وهو ضد كل من السهو والخطأ, و(العمد) علي الشيء الاستنادإليه, ويقال:( عمد) الشيء( فانعمد) أي أقامه( بعماد)( يعتمد)عليه, و(عمدت) الشيء إذا أسندته, و(عمدت) الحائط مثله, و(العمود)ماتقام أو تعتمد عليه الخيمة من خشب أو نحوه ويعرف باسم( عمود البيت), وجمعه فيالقلة( أعمدة), وفي الكثرة( عمد) بفتحتين و(عمد) بضمتين, و(عمود)القوم و(عميدهم) السيد الذي( يعمده) الناس, و(العمدة) بالضم ما(يعتمد) عليه وجمعه( عمد), و(العماد) بالكسر ما( يعتمد) أو هو الأبنيةالرفيعة( تذكر وتؤنت) والواحدة( عمادة) ويقال:( اعتمد) علي الشيء بمعنياتكأعليه, و(اعتمد) عليه في كذا اتكل عليه, وفلان رفيع( العماد) أي هورفيع عند الاعتماد عليه, ويقال: سطع( عمود) الصبح أي ابتدأ طلوع نورهتشبيها( للعمود) والقلب( العميد) الذي يعمده الحزن, والجسد( العميد)الذي يعمده السقم, وقد( عمد) توجع من حزن أو غضب أو سقم, و(عمد) البعيرتوجع من عقر ظهره.
لفظة( العمد) في القرآن الكريم وردت لفظة( عمد)في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع علي النحو التالي:
[1] الله الذي رفع السماوات بغير عمدترونها (الرعد:2)
[2] خلق السماوات بغير عمدترونها.. (لقمان:10)
[3] نار الله الموقدة. التي تطلع علي الأفئدة. إنهاعليهم مؤصدة. في عمد ممدة (الهمزة:6 ــ9)
ووردت لفظة( عماد) في موضع واحد يقول فيه ربنا(تبارك وتعالي): ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. التي لم يخلقمثلها في البلاد. (الفجر:6 ـ8)
وجاء الفعل( تعمد) ومشتقاتها في كتاب الله الكريم فيثلاثة مواضع علي النحو التالي: [1] وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكنماتعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما (الأحزاب:5)
[2] ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضبالله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (النساء:93)
[3] ومن قتله منكممتعمدا.. (المائدة:95)
آراء المفسرين تعددت آراء المفسرين في شرح قوله(تعالي): الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها..( الرعد:2) وقوله(عز من قائل): خلق السماوات بغير عمد ترونها.. (لقمان:10)
فقال ابن كثير( يرحمه الله): السماء علي الأرض مثلالقبة, يعني بلا عمد, وهذا هو اللائق بالسياق, والظاهر من قوله تعالي(ويمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه) فعلي ذلك يكون قوله:( ترونها)تأكيدا لنفي ذلك, أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها, وهذا هو الأكمل فيالقدرة. كذلك روي ابن كثير عن ابن عباس( رضي الله عنهما) وعن كل من مجاهدوالحسن( عليهما رضوان الله) أنهم قالوا: لها عمد ولكن لاتري, فتكون(ترونها) صفة( عمد) أي بغير عمد مرئية( أبو بعمد غير مرئية), وأضاف أن هذاالتأويل خلاف الظاهر المتبادر ولذلك ضعفه ابن كثير.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( يرحمهما الله): أن(العمد) جمع( عماد) وهو الاسطوانة[ أي أن العمد موجودة ولكنكم لاترونها],وهو صادق أن لا عمد أصلا. وفي تعليقه علي هذا التفسير ذكر كنعان( أمد اللهفي عمره): قوله: وهو صادق بأن لاعمد لها أصلا هو إشارة إلي الوجه الثاني عليالقول بأن( ترونها) صفة لــ( عمد), والضمير عائد إليها والمعني: رفعهاخالية عن عمد مرئية, وانتفاء العمد المرئية يحتمل انتفاء الرؤية فقط أي: لهاعمد ولكنها غير مرئية, ويحتمل انتفاء العمد والرؤية جميعا أي: لاعمد أصلا كماذكر الجلال السيوطي( يرحمه الله), وفي قول آخر:( ترونها) مستأنفة,وضميرها يعود لــ( السماوات), والمعني: رفعها بلا عمد أصلا وأنتم ترونهاكذلك..
وذكر محمد عبده( رحمه الله) في تفسير قوله(تعالي): والسماء ومابناها مانصه: السماء اسم لما علاك وارتفع فوق رأسك وأنتإنما تتصور عند سماعك لفظ السماء هذا الكون الذي فوقك فيه الشمس والقمر وسائرالكواكب تجري في مجاريها, وتتحرك في مداراتها, هذا هو السماء. وقد بناه اللهأي رفعه وجعل كل كوكب من الكواكب منه بمنزلة لبنة من بناء سقف أو قبة أو جدران تحيطبك, وشد هذه الكواكب بعضها إلي بعض برباط الجاذبية العامة, كما تربط أجزاءالبناء الواحد بما يوضع بينها مما تتماسك به. وقال صاحب الظلال( يرحمهالله): والسماوات ــ أيا كان مدلولها, وأيا كان مايدركه الناس من لفظها في شتيالعصور ــ معروضة علي أنظار, هائلة ــ ولاشك ــ حين يخلو الناس إلي تأملهالحظة, وهي هكذا لاتستند إلي شيء, مرفوعة( بغير عمد) مكشوفة( ترونها)..ما من أحد يقدر علي رفعها بلا عمد ــ أو حتي بعمد ــ إلا الله..
وذكر الغمراوي( يرحمه الله) واعجب معي من إعجازالأسلوب والمعني معا في قوله تعالي:( بغير عمد ترونها) في كل من خلق السماءورفعها. فلو قيل( بغير عمد) فحسب لكان ذلك نفيا مطلقا للعمد, مرئية وغيرمرئية, والنفي المطلق يخالف الواقع الذي علم الله أنه سيهدي إليه عباده بعد نحوألف وخمسين عاما من اختتام القرآن, فكأن من الإعجاز المزدوج أن يقيد الله نفيالعمد في الخلق والرفع بقوله( ترونها), والضمير المنصوب في( ترونها) يرجعأولا إلي أقرب مذكور وهو( عمد) فيكون المعني: بغير عمد مرئية, أي بعمد منشأنها وفطرتها ألا تري, والفعل المضارع في اللغة يشمل الحال والاستقبال أو هو حالمستمر, لأن القرآن مخاطب به الناس في كل عصر. وإذا أعيد الضمير إلي السماءكان المعني: أن السماء ترونها مخلوقة مرفوعة بغير عمد, وتكون العمد مايعهدهالناس في أبنية الأرض, ونفيها بهذا المعني عن السماء المرفوعة أيضا أمر عجيبلايقدر عليه إلا الله وكلا الوجهين مفهوم من التعبير القرآني طبق اللغة, وإن كانالأولي في اللغة هو الوجه الأول الذي يحوي الإعجاز العلمي, وإذن فالوجهان كلاهمامرادان بالتعبير الكريم إذ لامانع من أحدهما والزمخشري فهم المعنيين علي التخيير,وإن أعطي الأولوية للمعني المستفاد من جعل( ترونها) صفة للعمد, أي بغير عمدمرئية, يعني أن عمدها لاتري, وهي إمساكها بقدرته.
أما الفخر الرازي فلم يرصد إلا هذا المعني الثاني إذيقول: إنه رفع السماء بغير عمد ترونها, أي لاعمد في الحقيقة إلا أن تلك العمدهي قدرة الله تعالي وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الحيز الحالي, وإنهم( أيالناس) لايرون ذلك التدبير ولايعرفون كيفية ذلك الإمساك. وأضاف الغمراوي(يرحمه الله) وقد عرف علماء الفلك الحديث كيفية ذلك عن طريق تلك السنة الكونيةالعجيبة المذهلة: سنة الجاذبية العامة, التي قامت وتقوم بها السماوات والأرضبأمر الله كما قال سبحانه: ومن آياته أن تقوم السماء والأرضبأمره (الروم:25)
وقد بقي من صور التعبير صورة, وهي أن يقال:( بعمدلاترونها) بدلا من( بغير عمد ترونها) في الآيتين الكريمتين, وقد تجنبهاالقرآن لحكمة بالغة, فلو أنها جاءت فيه هكذا لاتجهت الافكار باديء ذي بدء إليإثبات عمد في السماء أو للسماء, كالتي يعرفونها فيما يعلون من بنيان, ولأثبتالعلم بطلان ذلك, وإن جاز علي أهل العصور قبل, وجل وعز وجه الله أن يلم خطأمابكتابه من قريب أو بعيد. وذكر الصابوني( أمد الله في عمره) في تفسيرقوله تعالي: الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها مانصه: أي خلقهامرتفعة البناء, قائمة بقدرته لاتستند علي شيء حال كونكم تشاهدونها وتنظرونها بغيردعائم, وذلك دليل علي وجود الخالق المبدع الحكيم
العمد غير المرئية في العلوم الكونية تشير الدراساتالكونية إلي وجود قوي مستترة, في اللبنات الأولية للمادة وفي كل من الذراتوالجزيئات وفي كافة أجرام السماء, تحكم بناء الكون وتمسك بأطرافه إلي أن يشاءالله تعالي فيدمره ويعيد خلق غيره من جديد. ومن القوي التي تعرف عليها العلماءفي كل من الأرض والسماء أربع صور, يعتقد بأنها أوجه متعددة لقوة عظمي واحدة تسريفي مختلف جنبات الكون لتربطه برباط وثيق وإلا لانفرط عقده وهذه القويهي:
(1) القوة النووية الشديدة وهي القوة التي تقوم بربطالجزيئات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة برباط متين من مثل البروتونات,والنيوترونات ولبناتهما الأولية المسماة بالكواركات (QUARKS) بأنواعهاالمختلفة وأضدادها ((Anti-Quarks كما تقوم بدمج والتحام نوي الذرات معبعضها البعض في عمليات الاندماج النووي (nuclearfusion) التي تتم في داخلالنجوم, كما تتم في العديد من التجارب المختبرية, وهي أشد أنواع القوي الطبيعيةالمعروفة لنا في الجزء المدرك من الكون ولذا تعرف باسم القوة الشديدة ولكن هذهالشدة البالغة في داخل نواة الذرة تتضاءل عبر المسافات الأكبر ولذلك يكاد دورهايكون محصورا في داخل نوي الذرات, وبين تلك النوي ومثيلاتها, وهذه القوي تحملعلي جسيمات غير مرئية تسمي باسم اللاحمة أو جليون (gluon) لم تكتشف إلا فيأواخر السبعينيات من القرن العشرين, وفكرة القنبلة النووية قائمة علي اطلاق هذهالقوة التي تربط بين لبنات نواة الذرة, وهذه القوة لازمة لبناء الكون لأنها لوانعدمت لعاد الكون إلي حالته الأولي لحظة الانفجار العظيم حين تحول الجرم الابتدائيالأولي الذي نشأ عن انفجاره كل الكون إلي سحابة من اللبنات الأولية للمادة التيلايربطها رابط, ومن ثم لايمكنها بناء أي منأجرام السماء.
(2) القوة النووية الضعيفة: وهي قوة ضعيفة وذات مديضعيف للغاية لا يتعدي حدود الذرة وتساوي10 ــ13 من شدة القوة النوويةالشديدة, وتقوم بتنظيم عملية تفكك وتحلل بعض الجسيمات الأولية للمادة في داخلالذرة كما يحدث في تحلل العناصر المشعة, وعلي ذلك فهي تتحكم في عملية فناءالعناصر حيث إن لكل عنصر أجلا مسمي, وتحمل هذه القوة علي جسيمات إما سالبة أوعديمة الشحنة تسمي البوزونات (bosons).
(3) القوة الكهربائية المغناطيسية(الكهرومغناطيسية): وهي القوة التي تربط الذرات بعضها ببعض في داخل جزيئاتالمادة مما يعطي للمواد المختلفة صفاتها الطبيعية والكيميائية, ولولا هذه القوةلكان الكون مليئا بذرات العناصر فقط ولما كانت هناك جزيئات أو مركبات, ومن ثم ماكانت هناك حياة علي الاطلاق. وهذه القوة هي التي تؤدي إلي حدوث الاشعاعالكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات الضوء أو مايعرف باسم الكمالضوئي. (PhotonsorphotonQuantum) وتنطلق الفوتونات بسرعة الضوء لتؤثر فيجميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلاتالكيميائية وفي العديد من العمليات الفيزيائية وتبلغ قوتها137/1 من القوة النوويةالشديدة.
(4) قوة الجاذبية: وهي علي المدي القصير تعتبر أضعفالقوي المعروفة لنا, وتساوي10 ــ39 من القوة النووية الشديدة, ولكن عليالمدي الطويل تصبح القوة العظمي في الكون, نظرا لطبيعتها التراكمية فتمسك بكافةأجرام السماء, وبمختلف تجمعاتها, ولولا هذا الرباط الحاكم الذي أودعه الله(تعالي) في الأرض وفي أجرام السماء ما كانت الأرض ولا كانت السماء ولو زال هذاالرباط لانفرط عقد الكون وانهارت مكوناته. ولايزال أهل العلم يبحثون عن موجاتالجاذبية المنتشرة في أرجاء الكون كله, منطلقة بسرعة الضوء دون أن تري, ويفترضوجود هذه القوة علي هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد يطلق عليها اسمالجسيم الجاذب أو( الجرافيتون) (Graviton) وعلي ذلك فإن الجاذبية هيأربطة الكون.
والجاذبية مرتبطة بكتل الأجرام وبمواقعها بالنسبة لبعضهاالبعض, فكلما تقاربت أجرام السماء, وزادت كتلها, زادت قوي الجذب بينها,والعكس صحيح, ولذلك يبدو أثر الجاذبية أوضح مايكون بين أجرام السماء التي يمسكالأكبر فيها بالأصغر بواسطة قوي الجاذبية, ومع دوران الأجرام حول نفسها تنشأالقوة الطاردة( النابذة) المركزية التي تدفع بالاجرام الصغيرة بعيدا عن الأجرامالأكبر التي تجذبها حتي تتساوي القوتان المتضادتان: قوة الجذب إلي الداخل, وقوةالطرد إلي الخارج فتتحدد بذلك مدارات كافة أجرام السماء التي يسبح فيها كل جرمسماوي دون أدني تعارض أو اصطدام. هذه القوي الأربع هي الدعائم الخفية التييقوم عليها بناء السماوات والأرض, وقد أدركها العلماء من خلال آثارها الظاهرةوالخفية في كل أشياء الكون المدركة.
توحيد القوي المعروفة في الكون المدرك كما تم توحيدقوتي الكهرباء والمغناطيسية في شكل قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية, يحاولالعلماء جمع تلك القوة مع القوة النووية الضعيفة باسم القوة الكهربائيةالضعيفة (TheElectroweakForce) حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجاتالحرارة العليا التي بدأ بها الكون, كذلك يحاول العلماء جمع القوة الكهربائيةالضعيفة والقوة النووية الشديدة في قوة واحدة وذلك في عدد من النظريات التي تعرفباسم نظريات المجال الواحد أو النظريات الموحدةالكبر يTheGrandUnifiedTheorie)) ثم جمع كل ذلك مع قوة الجاذبية فيما يسميباسم الجاذبية العظمي (Supergravity) التي يعتقد العلماء بأنها كانت القوةالوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء خلق الكون, ثم تمايزت إلي القويالأربع المعروفة لنا اليوم, والتي ينظر إليها علي أنها أوجه أربعة لتلك القوةالكونية الواحدة التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه, فالكونيبدو كنسيج شديد التلاحم والترابط, ورباطه هذه القوة العظمي الواحدة التي تنتشرفي كافة أرجائه, وفي جميع مكوناته وأجزائه وجزيئاته, وهذه القوة الواحدة تظهرلنا في هيئة العديد من صور الطاقة, والطاقة هي الوحدة الأساسية في الكون,والمادة مظهر من مظاهرها, وهي من غير الطاقة لا وجود لها, فالكون عبارة عنالمادة والطاقة ينتشران في كل من المكان والزمان بنسب وتركيزات متفاوتة فينتج عنهاذلك النسيج المحكم المحبوك في كل جزئية من جزئياته.
الجاذبية العامة من الثوابت العلمية أن الجاذبية العامةهي سنة من سنن الله في الكون أودعها ربنا تبارك وتعالي كافة أجزاء الكون ليربط تلكالاجزاء بها, وينص قانون هذه السنة الكونية بأن قوة التجاذب بين أي كتلتين فيالوجود تتناسب تناسبا طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما, وعكسيا مع مربع المسافةالفاصلة بينهما, ومعني ذلك أن قوة الجاذبية تزداد بازدياد كل من الكتلتينالمتجاذبتين, وتنقص بنقصهما, بينما تزداد هذه القوة بنقص المسافة الفاصلة بينالكتلتين, وتتناقص بتزايدها, ولما كان لأغلب أجرام السماء كتل مذهلة في ضخامتهافإن الجاذبية العامة هي الرباط الحقيقي لتلك الكتل علي الرغم من ضخامة المسافاتالفاصلة بينها, وهذه القوة الخفية( غير المرئية) تمثل النسيج الحقيقي الذييربط كافة أجزاء الكون كما هو الحال بين الأرض والسماء وهي القوة الرافعة للسماواتباذن الله بغير عمد مرئية. وهي نفس القوة التي تحكم تكور الأرض وتكور كافةأجرام السماء وتكور الكون كله, كما تحكم عملية تخلق النجوم بتكدس أجزاء من الدخانالكوني علي بعضها البعض, بكتلات محسوبة بدقة فائقة, وتخلق كافة أجرام السماءالأخري, كما تحكم دوران الأجرام السماوية كل حول محوره, وتحكم جرية في مداره,بل في أكثر من مدار واحد له, وهذه المدارات العديدة لاتصطدم فيها أجرام السماءرغم تداخلاتها وتعارضاتها الكثيرة, ويبقي الجرم السماوي في مداره المحدد بتعادلدقيق بين كل من قوي الجذب إلي الداخل بفعل الجاذبية وبين قوي الطرد إلي الخارج بفعلالقوة الطاردة( النابذة) المركزية.
وقوة الجاذبية العامة تعمل علي تحدب الكون أي تكوره وتجبركافة صور المادة والطاقة علي التحرك في السماء في خطوط منحنية( العروج), وتمسكبالأغلفة الغازية والمائية والحياتية للأرض, وتحدد سرعة الإفلات من سطحها,وبتحديد تلك السرعة يمكن إطلاق كل من الصواريخ والأقمار الصناعية. والجاذبيةالكمية (QuantumGravity) تجمع كافة القوانين المتعلقة بالجاذبية, معالأخذ في الحسبان جميع التأثيرات الكمية علي اعتبار أن إحداثيات الكون تتبع نموذجامشابها للاحداثيات الأرضية, وأن ابعاد الكون تتبع نموذجا مشابها للأرض بأبعادهاالثلاثة بالاضافة إلي كل من الزمان والمكان كبعد رابع.وعلي الرغم من كونها القوةالسائدة في الكون( بإذن الله) فإنها لاتزال سرا من أسرار الكون, وكل النظرياتالتي وضعت من أجل تفسيرها قد وقفت دون ذلك لعجزها عن تفسير كيفية نشأة هذه القوة,وكيفية عملها, وإن كانت هناك فروض تنادي بأن جاذبية الأرض ناتجة عن دورانها حولمحورها, وأن مجالها المغناطيسي ناتج عن دوران لب الأرض السائل والذي يتكون أساسامن الحديد والنيكل المنصهرين حول لبها الصلب والذي له نفس التركيب الكيميائيتقريبا, وكذلك الحال بالنسبة لبقية أجرام السماء.
موجات الجاذبية منذ العقدين الأولين من القرن العشرينتنادي العلماء بوجود موجات للجاذبية من الإشعاع التجاذبي تسري في كافة أجزاءالكون, وذلك علي أساس أنه بتحرك جسيمات مشحونة بالكهرباء مثل الإليكتروناتوالبروتونات الموجودة في ذرات العناصر والمركبات فإن هذه الجسيمات تكون مصحوبة فيحركتها باشعاعات من الموجات الكهرومغناطيسية, وقياسا علي ذلك فإن الجسيمات غيرالمشحونة( مثل النيوترونات) تكون مصحوبة في حركتها بموجات الجاذبية, ويعكفعلماء الفيزياء اليوم علي محاولة قياس تلك الأمواج, والبحث عن حاملها من جسيماتأولية في بناء المادة يحتمل وجوده في داخل ذرات العناصر والمركبات, واقترحوا لهاسم الجاذب أو الجرافيتون وتوقعوا أنه يتحرك بسرعة الضوء, وانطلاقا من ذلك تصورواأن موجات الجاذبية تسبح في الكون لتربط كافة أجزائه برباط وثيق من نواة الذرة إليالمجرة العظمي وتجمعاتها إلي كل الكون, وأن هذه الموجات التجاذبية هي من السننالأولي التي أودعها الله تعالي مادة الكون وكل المكان والزمان!! وهنا تجبالتفرقة بين قوة الجاذبية (TheGravitationalForce) وموجاتالجاذبية (TheGravitationalWaves), فبينما الأولي تمثل قوة الجذب للمادةالداخلة في تركيب جسم ماحين تتبادل الجذب مع جسم آخر, فإن الثانية هي أثر لقوةالجاذبية, وقد أشارت نظرية النسبية العامة إلي موجات الجاذبية الكونية علي أنهارابط بين المكان والزمان علي هيئة موجات تؤثر في حقول الجاذبية في الكون كما تؤثرعلي الأجرام السماوية التي تقابلها وقد بذلت محاولات كثيرة لاستكشاف موجات الجاذبيةالقادمة إلينا من خارج مجموعتنا الشمسية ولكنها لم تكلل بعد بالنجاح.
والجاذبية وموجاتها التي قامتبها السماوات والأرض منذ بدءخلقهما, ستكون سببا في هدم هذا البناء عندما يأذن الله( تعالي) بتوقف عمليةتوسع الكون فتبدأ الجاذبية وموجاتها في العمل علي انكماش الكون وإعادة جمع كافةمكوناته علي هيئة جرم واحد شبيه بالجرم الابتدائي الذي بدأ به خلق الكون وسبحانالقائل: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا عليناإنا كنا فاعلين (الأنبياء:104)
نظرية الخيوط العظمي وتماسك الكون في محاولة لجمع القويالأربع المعروفة في الكون( القوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة,والقوة الكهرومغناطيسية, وقوة الجاذبية) في صورة واحدة للقوة اقترح علماءالفيزياء مايعرف باسم نظرية الخيوط العظمي (TheTheoryOfSuperstrings) والتيتفترض أن الوحدات البانية للبنات الأولية للمادة من مثل الكواركات والفوتونات,والإليكترونات وغيرها) تتكون من خيوط طولية في حدود10 ــ35 من المتر, تلتفحول ذواتها علي هيئة الزنبرك المتناهي في ضآلة الحجم, فتبدو كما لو كانت نقاطا أوجسيمات, وهي ليست كذلك, وتفيد النظرية في التغلب علي الصعوبات التي تواجههاالدراسات النظرية في التعامل مع مثل تلك الأبعاد شديدة التضاؤل حيث تتضح الحاجة إليفيزياء كمية غير موجودة حاليا, ويمكن تمثيل حركة الجسيمات في هذه الحالة بموجاتتتحرك بطول الخيط, كذلك يمكن تمثيل انشطار تلك الجسيمات واندماجها مع بعضها البعضبانقسام تلك الخيوط والتحامها. وتقترح النظرية وجود مادةخفية (ShadowMatter) يمكنها أن تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبيةلتجعل من كل شيء في الكون( من نواة الذرة إلي المجرة العظمي وتجمعاتها المختلفةإلي كل السماء) بناء شديد الإحكام, قوي الترابط, وقد تكون هذه المادة الخفيةهي مايسمي باسم المادة الداكنة (DarkMatter) والتي يمكن أن تعوض الكتلالناقصة في حسابات الجزء المدرك من الكون, وقد تكون من القوي الرابطةله.
وتفسر النظرية جميع العلاقات المعروفة بين اللبنات الأوليةللمادة, وبين كافة القوي المعروفة في الجزء المدرك من الكون. وتفترض النظريةأن اللبنات الأولية للمادة ماهي إلا طرق مختلفة لتذبذب تلك الخيوط العظمي في كون ذيأحد عشربعدا, ومن ثم واذا كانت النظرية النسبية قد تحدثت عن كون منحن, منحنيةفيه الابعاد المكانية الثلاثة( الطول, العرض, والارتفاع) في بعد رابع هوالزمن, فإن نظرية الخيوط العظمي تتعامل مع كون ذي أحد عشر بعدا منها سبعة أبعادمطوية علي هيئة لفائف الخيوط العظمي التي لم يتمكن العلماء بعد من إدراكها وسبحانالقائل: الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
والله قد أنزل هذه الحقيقة الكونية علي خاتم أنبيائهورسله( صلي الله عليه وسلم) من قبل أربعة عشر قرنا, ولا يمكن لعاقل أن ينسبهاإلي مصدر غير الله الخالق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق