الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

من أسرار القرآن 08



من أسرار القرآن 08


الاشارات الكونيه في القران الكريم ومغزي دلالتها العلميه
‏(95)‏ فنبذناه بالعراء وهو سقيم‏*‏ وانبتنا عليه شجره من يقطين‏*‏
‏*‏ الصافات‏:145‏ ‏146*‏

بقلم الدكتور‏:‏ زغلول
النجار



هاتان الايتان الكريمتان جاءتا في الخمس الاخير من سوره الصافات‏,‏ وهي سوره مكيه‏,‏ واياتها‏182‏ بعد البسمله‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بقسم بالملائكه الاطهار الذين لاينفكون عن عباده الله‏(‏ تعالي‏),‏ ويصطفون في طاعته بافضل مما يصطف كثير من عباد الله المكلفين من الانس والجن في الصلاه‏.‏
ويدور المحور الرئيسي للسوره حول عدد من القواعد الرئيسيه للعقيده الاسلاميه‏,‏ وفي مقدمتها الايمان بالله‏,‏ وتوحيده التوحيد الخالص‏,‏ وتنزيهه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ عن كل وصف لايليق بجلاله‏[‏ من قبيل نسبه الشريك‏,‏ او الشبيه‏,‏ او المنازع‏,‏ او الصاحبه‏,‏ او الولد الي الله‏(‏ تعالي‏),‏ وغير ذلك من صفات المخلوقين والله‏(‏ تعالي‏)‏ منزه عن صفات خلقه‏],‏ والايمان بملائكه الله‏,‏ وبكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ وباليوم الاخر‏,‏ وبالقدر خيره وشره‏;‏ والايمان بالوحي وحقيقته‏,‏ وبالبعث بعد الموت وبحتميته وضرورته‏,‏ وبالخلود في الاخره اما في الجنه او في النار‏,‏ وانها لجنه ابدا‏,‏ او نار ابدا كما اخبر بذلك خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين‏).‏

وفي سبيل الدعوه الي الايمان بهذه الركائز الاسلاميه‏,‏ والعمل علي ترسيخها في العقول والقلوب اشارت سوره الصافات الي العديد من اشياء الكون وظواهره‏,‏ ووظفتها في الاستدلال علي طلاقه القدره الالهيه المبدعه في الخلق‏,‏ والشاهده للخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بالالوهيه‏,‏ والربوبيه‏,‏ والوحدانيه المطلقه فوق جميع خلقه‏,‏ وبالقدره علي البعث‏,‏ وتقيم الحجه علي اهل العلم في زمن تفجر المعارف العلميه الذي نعيشه بان القران الكريم لايمكن ان يكون صناعه بشريه‏,‏ بل هو كلام الله الخالق‏,‏ وبان الرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والارض‏.‏
وفي نفس الوقت‏,‏ وظفت سوره الصافات هذه الاشارات الكونيه في تفنيد دعاوي المبطلين من اهل الكفر والشرك والضلال‏,‏ وفي تطهير العقول والنفوس من هذا الكم الهائل من الخرافات والاساطير التي نسجتها انماط عديده من العقول المريضه عبر التاريخ‏,‏ انطلاقا من همزات شياطين الانس والجن‏,‏ وتخرصات المبطلين‏,‏ وشهوات الطامعين في شئ من حطام هذه الدنيا الفانيه‏..!!‏
وقد استهلت سوره الصافات بقسم من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بملائكته الكرام‏,‏ وبعدد من الوظائف التي امروا بها والله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ غني عن القسم ثم ياتي جواب القسم بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ان الهكم لواحد‏*(‏ الصافات‏:4).‏

وهو قرار الهي يقتلع كل جذور الكفر والشرك والضلال من العقول والقلوب التي عششت فيها تلك الانحرافات الفكريه‏,‏ وما اكثرها في تاريخ البشريه الطويل‏,‏ خاصه في زمن الفتن التي تظلل اغلب اهل الارض في هذه الايام‏..!!‏
وتشير السوره الكريمه الي محاولات مرده الجن وشياطينهم من اجل استراق السمع علي اهل السماء‏,‏ واكدت ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد سخر الشهب الثاقبه لتتبعهم ودحرهم‏,‏ وانه‏(‏ تعالي‏)‏ قد توعدهم بعذاب شديد‏.‏

ثم يتوجه الخطاب الي خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين‏)‏ بالامر الالهي ان يسال منكري البعث‏,‏ المستبعدين لامكانيه وقوعه ان ينظروا في خلقهم من طين لازب‏,‏ ومحدوديه كل فرد منهم بحدود مكانه في بقعه محدده من الارض‏,‏ وبحدود زمانه‏(‏ اي اجله‏),‏ ومقارنه ذلك بخلق السماوات والارض بابعادهما المذهله‏,‏ واعمارهما المتطاوله‏,‏ فيدركوا ان الذي خلقهم من هذا الطين اللازب‏,‏ وحددهم بحدود المكان والزمان‏,‏ وخلق الكون بهذا الاتساع‏,‏ والضخامه في الابعاد‏,‏ وتعدد الاجرام‏,‏ وتنوع صفاتها قادر علي بعثهم‏,‏ وبعث ابائهم الاولين وهم اذلاء صاغرون‏.‏
ثم تعرض سوره الصافات لموقف من مواقف الاخره‏,‏ وقد اطلقت صيحه البعث وجميع الذين كانوا ينكرونه في الدنيا‏,‏ ويسخرون من امكانيه وقوعه‏,‏ يخرجون من قبورهم مشدوهين‏,‏ فزعين‏,‏ مذعورين‏,‏ وهم يقولون‏:‏
‏...‏ ياويلنا هذا يوم الدين‏*‏
‏(‏ الصافات‏:20).‏

فيسمعون الرد عليهم في قول الله‏(‏ تعالي‏):‏
هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون‏*‏ احشروا الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون‏*‏ من دون الله فاهدوهم الي صراط الجحيم‏*‏ وقفوهم انهم مسئولون‏*‏
‏(‏الصافات‏:21‏ ‏24).‏

وتستطرد الايات في استكمال عرض هذا المشهد‏,‏ والكفار والمشركون‏,‏ والعصاه والظالمون عاجزون عن مناصره بعضهم بعضا‏,‏ والذين اتبعوا والذين اتبعوا من المشركين وشركائهم يتلاومون‏,‏ ويتبادلون تهم الضلال والغوايه‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
فانهم يومئذ في العذاب مشتركون‏*‏ انا كذلك نفعل بالمجرمين‏*‏ انهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون‏*‏ ويقولون ائنا لتاركو الهتنا لشاعر مجنون‏*‏ بل جاء بالحق وصدق المرسلين‏*‏ انكم لذائقو العذاب الاليم‏*‏ وما تجزون الا ماكنتم تعملون‏*‏
‏(‏الصافات‏:33‏ ‏39)‏

وفي قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
بل جاء بالحق وصدق المرسلين‏*‏
‏(‏الصافات‏:37).‏

تاكيد لنبوه خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وشهاده من الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي صدق رسالته‏,‏ وبرهان علي وحده رساله السماء‏,‏ وعلي اخوه الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليهم اجمعين‏),‏ وهو في الوقت نفسه رد الهي جازم علي الذين كذبوا ببعثته الشريفه‏,‏ وتطاولوا علي شخصه الكريم باقلامهم الرخيصه‏,‏ او بالسنتهم البذيئه‏,‏ او تستروا وراء شاشات الشبكه العنكبوتيه كخفافيش الظلام ينفثون فيها جهلهم الفاضح‏,‏ واحكامهم الجائره‏,‏ واحقادهم المريضه‏,‏ وسمومهم البغيضه ضد الاسلام‏,‏ وضد نبيه الكريم‏,‏ وضد جميع المسلمين بما لايستطيعون ان يقولوه مواجهه لجبنهم وعجزهم‏,‏ وضعف حجتهم‏,‏ وسقوط كل دعاواهم الباطله‏.‏
وهم يفعلون ذلك طمعا في الصد عن دين الله الخاتم الذي لايرتضي ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده دينا سواه‏,‏
‏...‏ والله غالب علي امره ولكن اكثر الناس لايعلمون‏*(‏ يوسف‏:21)‏

وقد حذرهم الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ من خطر ذلك في الايات السابقه من سوره الصافات وبقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسره ثم يغلبون والذين كفروا الي جهنم يحشرون‏*‏
‏(‏ الانفال‏:36).‏

ثم تقارن الايات في سوره الصافات بين اكرام الله‏(‏ تعالي‏)‏ لعباده المؤمنين بتنعيمهم في جنات الخلد‏,‏ وبالفوز العظيم برضاه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وبين ما يلقاه كل من الكفار والمشركين المكذبين ببعثه خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من عذاب في الدنيا‏,‏ ونار جهنم في الاخره‏,‏ وهم يصطلون بجحيمها‏,‏ وياكلون من زقومها‏,‏ وعليه شوب من حميم‏.‏
وتستمر الايات في تاكيد ان اكثر الامم السابقه علي بعثه الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كانوا قد ضلوا ضلالا بعيدا علي الرغم من ارسال عدد من الانبياء والمرسلين اليهم‏,‏ منذرين من مغبه الكفر بالله‏(‏ تعالي‏)‏ او الشرك به‏(‏ سبحانه‏),‏ او معصيته والانحراف عن المنهج الذي وضعه لاستقامه الحياه علي الارض‏,‏ ولاثبات ذلك استعرضت السوره المباركه سير عدد من انبياء الله ورسله منهم نوح‏,‏ ابراهيم وولداه‏,‏ موسي وهارون‏,‏ الياس‏,‏ لوط‏,‏ ويونس‏(‏ علي نبينا وعليهم جميعا من الله السلام‏).‏ وفي قصص هؤلاء الانبياء والمرسلين تجلت معيه الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهم ولعباده المؤمنين‏,‏ ورحمته بهم‏,‏ وتعهده بنصرهم وبدحر اعدائهم من الكفار والمشركين والظالمين‏,‏ والتنكيل بهم في الدنيا قبل الاخره‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ولقد ضل قبلهم اكثر الاولين‏*‏ ولقد ارسلنا فيهم منذرين‏*‏ فانظر كيف كان عاقبه المنذرين‏*‏ الا عباد الله المخلصين
‏(‏الصافات‏:71‏ ‏74).‏

وتعاود الايات توجيه الخطاب الي خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ليقوم بالرد علي عدد من الخرافات والاساطير التي ابتدعها اهل الزيغ والضلال من الكفار والمشركين‏,‏ والتي منها الادعاء الباطل بوجود نسب بين الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وبين الجن‏,‏ وانه بناء علي تصديقهم هذه الفريه بالعلاقه المختلقه كانت الملائكه الذين ادعي المبطلون عليهم بانهم اناث‏...!!‏
وكذلك الادعاء الباطل علي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بنسبه الصاحبه والولد اليه وهما من صفات المخلوقين‏,‏ والله تعالي منزه تنزيها كاملا عن صفات خلقه‏,‏ ولذلك قال‏(‏ عز من قائل‏):‏
فاستفتهم الربك البنات ولهم البنون‏*‏ ام خلقنا الملائكه اناثا وهم شاهدون الا انهم من افكهم ليقولون‏*‏ ولد الله وانهم لكاذبون‏*‏ اصطفي البنات علي البنين‏*‏ مالكم كيف تحكمون‏*‏ افلا تذكرون‏*‏ ام لكم سلطان مبين‏*‏ فاتوا بكتابكم ان كنتم صادقين‏*‏ وجعلوا بينه وبين الجنه نسبا ولقد علمت الجنه انهم لمحضرون‏*‏ سبحان الله عما يصفون‏*‏
‏(‏الصافات‏:149‏ ‏159).‏

وتكرر الايات في خواتيم سوره الصافات وعد الله لانبيائه ورسله‏,‏ ولجنده المؤمنين بالنصر والتمكين‏,‏ وهو وعد حق‏,‏ تعهد‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ به‏,‏ والله لايخلف الوعد ولا الميعاد‏.‏ وتطالب الايات خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ باعتزال الكفار والمشركين لانهم يستعجلون نزول عذاب الله‏,‏ وهو واقع بهم لا محاله‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين‏*‏ انهم لهم المنصورون‏*‏ وان جندنا لهم الغالبون‏*‏ فتول عنهم حتي حين‏*‏ وابصرهم فسوف يبصرون‏*‏ افبعذابنا يستعجلون‏*‏ فاذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين‏*‏ وتول عنهم حتي حين‏*‏ وابصر فسوف يبصرون‏*‏
‏(‏الصافات‏:171‏ ‏179).‏

وتختتم سوره الصافات بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
سبحان ربك رب العزه عما يصفون‏*‏ وسلام علي المرسلين‏*‏ والحمدلله رب العالمين‏*‏
‏(‏الصافات‏:180‏ ‏182).‏

وفي ذلك تاكيد علي ربوبيه الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وتنزيه له‏(‏ جل شانه‏)‏ عن كل وصف لا يليق بجلاله مما ادعي به كثير من المشركين‏,‏ وتوقير لجميع رسل الله‏,‏ وذكرهم بالسلام عليهم‏,‏ وحمد الله علي فيض نعمه في كل وقت وفي كل حين‏.‏

نبي الله يونس في القران الكريم‏:‏
جاء ذكر نبي الله يونس‏(‏ عليه السلام‏)‏ في القران الكريم ست مرات‏,‏ اربع منها باسمه الصريح‏(‏ النساء‏:163;‏ الانعام‏:86;‏ يونس‏:98;‏ والصافات‏:139),‏ والخامسه جاءت بكنيته‏:‏
ذا النون‏(‏ الانبياء‏:87),‏ والسادسه جاءت بصفته‏:‏ صاحب الحوت‏(‏ القلم‏:48),‏ وتكريما له‏(‏ عليه السلام‏)‏ سمي ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ احدي سور القران الكريم باسمه وهي سوره يونس‏.‏

وهذا النبي الصالح عرفه لنا المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ باسم يونس بن متي‏,‏ وذلك بقوله الشريف‏:‏
لا ينبغي لعبد ان يقول انا خير من يونس بن متي‏(‏ البخاري ومسلم‏).‏

ونبي الله يونس بن متي بعث الي اهل نينوي‏,‏ وهي محافظه في اقصي الشمال الغربي من الجمهوريه العراقيه‏(‏ التي ندعو الله تعالي ان يعجل بتحريرها من دنس الاحتلال الانجلو امريكي‏/‏ الصهيوني‏/‏ الصليبي الغاشم والبغيض في اقرب وقت ممكن ان شاء الله تعالي‏),‏ وتعرف محافظه نينوي اليوم باسم محافظه الموصل‏,‏ ومدينه نينوي كانت عاصمه الامبراطوريه الاشوريه بعد مدينه اشور‏,‏ ويرجع تاريخها الي الالف السادسه قبل الميلاد‏,‏ وقد وصلت اوج ازدهارها في النصف الاول من الالف الاخيره قبل الميلاد‏(‏ خاصه في الفتره من‏704‏ ق‏.‏ م الي‏681‏ ق‏.‏ م‏)‏ ولكنها دمرت سنه‏612‏ ق‏.‏م‏.‏ وبقيت اطلالها علي الضفه الشرقيه من نهر دجله في مقابله مدينه الموصل تقريبا‏,‏ ولا يفصلهما الا النهر‏,‏ وان سكنتها بعض القبائل حتي العصور الوسطي‏.‏ وكان اهل نينوي قد انتكسوا الي عدد من الوثنيات القديمه وعبدوا الاصنام بعد ان عاشوا فتره علي التوحيد الخالص لله‏,‏ فبعث الله‏(‏ تعالي‏)‏ اليهم نبيه يونس‏(‏ عليه السلام‏)‏ يدعوهم الي الاسلام القائم علي التوحيد الخالص لله‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولاشبيه‏,‏ ولامنازع‏,‏ ولاصاحبه‏,‏ ولا ولد‏).‏
واقام فيهم نبي الله يونس‏(‏ عليه السلام‏)‏ ردحا من الزمن يدعوهم الي دين الله‏,‏ ويقدم لهم الدليل تلو الدليل‏,‏ ويقيم الحجه عليهم فلم يطيعوه‏...,‏ بل عصوه‏,‏ وكذبوا دعوته‏,‏ فهددهم بعذاب الله‏,‏ وتوعدهم به‏,‏ ثم خرج غاضبا من بين ظهرانيهم قبل ان ياذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ له بالخروج فلامه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علي ذلك‏,‏ حيث يقول وقوله الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
وان يونس لمن المرسلين‏*‏ اذ ابق الي الفلك المشحون‏*‏ فساهم فكان من المدحضين‏*‏ فالتقمه الحوت وهو مليم‏*‏ فلولا انه كان من المسبحين‏*‏ للبث في بطنه الي يوم يبعثون‏*‏ فنبذناه بالعراء وهو سقيم‏*‏ وانبتنا عليه شجره من يقطين‏*‏ وارسلناه الي مائه الف او يزيدون‏*‏ فامنوا فمتعناهم الي حين‏*‏
‏(‏الصافات‏:139‏ ‏148)‏

وقال‏(‏ عز من قائل‏):‏
وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادي في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين‏*‏ فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين‏*‏
‏(‏ الانبياء‏:87‏ ‏88)‏

ومعني هذه الايات المباركات ان يونس‏(‏ عليه السلام‏)‏ حين خرج من نينوي مغاضبا لقومه ركب البحر في محاوله للابتعاد عنهم‏,‏ ولكن القران الكريم لم يحدد لنا اسم البحر‏,‏ ولذك تساءل المفسرون‏:‏ هل من الممكن ان يكون هو نهر دجله؟‏,‏ او احدي البحيرات القريبه من نينوي مثل بحيره ارميا في اقصي الشمال الغربي من ايران؟ او البحر الابيض المتوسط؟ والله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ هو وحده الذي يعلم حقيقه هذا الوسط المائي الذي التقم احد حيتانه العملاقه نبي الله يونس‏(‏ عليه السلام‏)‏ الذي مع هول المفاجاه ظل يردد لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجاب الله لاستغاثاته‏,‏ وامر‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ذلك الحوت الا يهضم لعبده ونبيه يونس‏(‏ عليه السلام‏)‏ لحما‏,‏ والا يهشم له عظما‏,‏ حتي يخرجه الله من الابتلاء الذي عرضه له سليما‏,‏ معافي‏,‏ فاهما لحقيقه الدرس الذي كان من اهدافه الا يتصرف في شان من شئون الدعوه بغير امر من الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏
وتروي لنا الايات بعد ذلك ان الحوت لفظ عبد الله ونبيه يونس بن متي ملقيا به علي الساحل‏,‏ وهو في حاله من الاعياء والذهول والهزال الشديد‏,‏ لا يقوي القلم علي وصفها‏.‏ فانبت الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ عليه شجره من يقطين‏,‏ اظلته‏,‏ وسترته‏,‏ وربما تناول شيئا من ثمارها فعافاه الله‏(‏ تعالي‏)‏ من سقمه‏,‏ وغفر له ماتقدم من ذنبه‏,‏ وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ غفار الذنوب‏.‏

وهذه المعجزه التي احدثها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ لنبيه يونس‏(‏ عليه السلام‏)‏ معجزه الهيه حقيقيه‏,‏ والمعجزات لا تعلل‏,‏ ولاتفسر‏,‏ لانها خارقه لقوانين الدنيا‏,‏ وان كان العلم يؤكد امكانيه ابتلاع احد حيتان البحر العملاقه لرجل‏,‏ وبقاء هذا الرجل حيا في فمه لبعض الوقت دون ان يصيبه اذي كبير‏,‏ ثم يلفظه الحوت‏,‏ خاصه اذا كان من نوع الهركول العملاق‏,‏ الذي يبلغ طوله نحوا من عشرين مترا‏,‏ ويتميز بانه لا اسنان له‏,‏ وحلقه اضيق من امكانيه ابتلاع جسد الرجل‏.‏
ثم راي قوم يونس‏,‏ بعد مغادره نبيهم لارضهم وهو مغاضب لهم ان ارهاصات العذاب الذي توعدهم به بدات في الظهور‏,‏ فسارعوا بالتوبه الي الله وبالانابه اليه حتي كشف عنهم العذاب وعادوا مسلمين لله‏,‏ موحدين لجلاله‏,‏ مقيمين لشعائره‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
فلولا كانت قريه امنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما امنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياه الدنيا ومتعناهم الي حين‏*‏
‏(‏يونس‏:98).‏

وبعد خروجه من ابتلاءاته عاد يونس‏(‏ عليه السلام‏)‏ الي قومه وقد شفاه الله وعافاه‏,‏ فوجدهم قد نبذوا الاصنام والاوثان‏.‏ وعادوا الي توحيد الله‏(‏ تعالي‏)‏ والي عبادته وحده بما امر‏,‏ فسعد بهم وسعدوا به‏,‏ وعاش بينهم داعيا الي الله علي بصيره حتي لقي ربه راضيا مرضيا‏.‏
وعاش اهل نينوي علي التوحيد الخالص لله حتي بعد وفاه نبيهم يونس‏(‏ عليه السلام‏),‏ ثم عاود الشيطان الوسوسه اليهم حتي اجتالهم‏,‏ وحرفهم عن دين الله‏,‏ واعادهم بالتدريج الي وثنيتهم الاولي فضلوا ضلالا بعيدا‏,‏ وان بقي فيهم بعض الاحناف الذين احتفظوا ببقايا الحق القديم وكان منهم عداس الذي لقي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في طريق عودته من الطائف الي مكه المكرمه وشهد لنبينا‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالنبوه‏.‏
ومع تفشي الشرك بالله‏,‏ والعوده الي عباده الاصنام والاوثان غضب الله علي اهل نينوي فسلط عليهم من دمر امبراطوريتهم في حدود سنه‏612‏ ق‏.‏ م‏.‏ فاصبحت اثرا بعد عين‏,‏ واحاديث يرويها المؤرخون‏,‏ ودروسا يعتبر بها اصحاب البصائر والعقول الي يومنا الراهن‏,‏ والي ان يشاء الله‏.‏

من الاشارات العلميه في سوره الصافات
جاء في سوره الصافات عدد من الاشارات العلميه التي يمكن ايجازها في النقاط التاليه‏:‏
‏(1)‏ الاشاره الي مابين السماوات والارض‏,‏ علي ضخامه ابعاد السماوات‏,‏ وضاله ابعاد الارض‏,‏ مما يشير الي مركزيه الارض بالنسبه الي الكون‏,‏ وقد اشار اليها المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في اكثر من حديث‏,‏ ويعجز العلم الكسبي عن تحقيقها‏,‏ ووجود اشارات في التراث القديم لتلك الحقيقه قد يكون من بقايا الوحي السماوي الذي انزله ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ قبل بعثه النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ عليه افضل الصلاه وازكي التسليم‏).‏
‏(2)‏ وصف الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ لذاته العليه بانه رب المشارق‏,‏ وفيه من الاشارات العلميه مايشمل كلا من كرويه الارض‏,‏ ودورانها حول محورها امام الشمس‏,‏ وميل هذا المحور علي مستوي الدوران‏,‏ وجري الارض في مدار محدد لها حول الشمس‏.‏

‏(3)‏ الاشاره الي ان زينه السماء الدنيا هي الكواكب‏,‏ وفي مقام اخر يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين‏..*(‏ الملك‏:5)‏
واجماع المفسرين واهل العلم علي ان المقصود بالتعبير القراني مصابيح هو النجوم‏,‏ والجمع بين النجوم‏,‏ والكواكب‏,‏ ورجوم الشياطين‏(‏ الشهب والنيازك‏)‏ فيه اشاره الي وحده البناء في الكون‏,‏ مما يشهد لله الخالق بالوحدانيه فوق جميع خلقه‏,‏ وذلك لان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يخلق النجوم امام انظار الراصدين من دخان السماء بعلمه‏,‏ وحكمته‏,‏ وطلاقه قدرته‏,‏ وانه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ يعيد النجوم بانفجاراتها الي دخان السماء‏,‏ والكواكب مفصوله اصلا عن النجوم‏,‏ والشهب والنيازك من نواتج انفجار الكواكب‏,‏ وهكذا‏.‏

‏(4)‏ الوصف القراني للشهاب بانه شهاب ثاقب بمعني ثقبه للغلاف الغازي للارض بتحركه فيه بسرعات كونيه هائله قبل احتراقه بالكامل فيه اشاره الي تلك السرعات الفائقه التي تتحرك بها النيازك والشهب‏.‏
‏(5)‏ الاشاره القرانيه الي خلق الانسان من طين لازب تؤكدها كل الدراسات العلميه المتقدمه‏.‏

‏(6)‏ ذكر عدد كبير من الانبياء والمرسلين السابقين علي بعثه الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين‏),‏ وسرد جوانب من قصصهم واحوال اممهم بهذه الدقه التاريخيه المذهله‏,‏ ودون ادني خطا‏,‏ وذلك من قبل اكثر من الف واربعمائه من السنين‏,‏ وفي امه لم تكن امه تدوين‏,‏ وبدقه تفتقر اليها مابقي بين ايدي الناس اليوم من صحائف اهل الكتاب‏.‏
‏(7)‏ اختيار شجره من يقطين دون غيرها من انواع النباتات وجعلها سترا وظلاله لنبي الله يونس‏(‏ عليه السلام‏)‏ بعد ان انقذه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ من فم الحوت فنبذناه بالعراء وهو سقيم‏*(‏ الصافات‏:145)‏

بعد ان كان قد التقمه‏,‏ مما يشير الي ما في اليقطينيات من فوائد علاجيه وغذائيه لمن كان في مثل ظروف نبي الله يونس في اثناء ابتلائه بالحوت‏.‏
وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي معالجه خاصه بها‏,‏ ولذلك فسوف اقصر حديثي هنا علي النقطه الاخيره في القائمه السابقه‏,‏ وقبل الوصول الي ذلك لابد من استعراض سريع لاقوال عدد من المفسرين في شرح دلاله هاتين الايتين الكريمتين اللتين اتخذتا عنوانا لهذا المقال‏.‏

من اقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
فنبذناه بالعراء وهو سقيم‏*‏ وانبتنا عليه شجره من يقطين‏*‏
‏(‏الصافات‏:146,145).‏

‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:(‏ فنبذناه‏)‏ اي القيناه‏(‏ بالعراء‏)‏ قال ابن عباس‏:‏ هي الارض التي ليس بها نبت ولا بناء‏,‏ قيل علي جانب دجله‏,‏ وقيل بارض اليمن‏,‏ والله اعلم‏,(‏ وهو سقيم‏)‏ اي ضعيف البدن‏...(‏ وانبتنا عليه شجره من يقطين‏)‏ قال ابن مسعود وابن عباس‏:(‏ اليقطين‏)‏ هو القرع‏,‏ وقال سعيد بن جبير‏:‏ كل شجره لا ساق لها فهي من اليقطين‏,‏ وفي روايه عنه‏:‏ كل شجره تهلك من عامها فهي من اليقطين‏,‏ وذكر بعضهم في القرع فوائد‏:‏ منها سرعه انباته‏,‏ وتظليل ورقه لكبره ونعومته‏,‏ وانه لايقربه الذباب‏,‏ وجوده تغذيه ثمره‏,‏ وانه يؤكل نيئا ومطبوخا بلبه وقشره ايضا‏,‏ وقد ثبت ان رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كان يحب الدباء‏,‏ ويتبعه من حواشي الصفحه‏....‏
‏*‏ وجاء في كل من تفسير الجلالين‏,‏ والظلال‏,‏ وصفوه البيان لمعاني القران‏,‏ والمنتخب في تفسير القران الكريم وصفوه التفاسير كلام مشابه لكلام ابن كثير‏,‏ ولا اري حاجه الي تكراره هنا‏.‏

من الدلالات العلميه للايتين الكريمتين
بتامل هاتين الايتين الكريمتين اللتين اتخذناهما عنوانا لهذا المقال يتبادر الي الذهن اختيار الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ للتعبير القراني شجره من يقطين لحمايه عبده ونبيه يونس بن متي‏(‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏)‏ بعد ان نبذه الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالعراء وهو سقيم‏,‏ اي‏:‏ وهو منهك القوي من شده المرض‏,‏ وهذا التنكير في الاشاره الي شجره اليقطين يفيد بان الشجره من جنس اليقطين الذي عرفه العرب ومنه كل من قرع الكوسه‏,‏ والحنظل‏,‏ وليست نوعا محددا بذاته‏.‏
واليقطين ينتمي الي مجموعه من النباتات العشبيه‏,‏ الزاحفه‏,‏ التي تفترش الارض‏,‏ ومنها ماله قدره علي التسلق بواسطه عدد من المحاليق الملتويه‏,‏ التي تخرج من جوانب الساق بالقرب من اعناق الاوراق‏,‏ ومنها الحولي‏,‏ ومنها المعمر‏,‏ وتمتاز كلها بالسيقان العشبيه الخماسيه الاضلاع‏,‏ وبالاوراق الكبيره‏,‏ الشبيهه براحه الكف‏(‏ الراحيه‏),‏ وهي مفصصه‏,‏ ومتبادله‏,‏ ولها اعناق طويله‏,‏ بغير اذينات‏;‏ وتمتاز بالوبر الكثيف الذي يغطي كلا من السيقان والاوراق‏,‏ والزهور الاحاديه الجنس‏(‏ اي المؤنثه او المذكره‏)‏ التي تخرج من اباط الاوراق‏,‏ وبالثمار اللبيه‏/‏ الشحميه‏,‏ المتباينه الاشكال‏,‏ والاحجام‏,‏ والالوان‏,‏ والطعوم والروائح‏,‏ والحاويه لاعداد من البذور‏.‏

وهذه النباتات تنطوي كلها في عائله واحده تعرف باسم العائله اليقطينيه او القرعيه‏,‏ وفي رتبه واحده تعرف باسم رتبه اليقطينيات‏.‏ او القرعيات‏,‏ وتضم حوالي المائه جنس يمثل كل منها بعشره انواع علي الاقل‏,‏ اي تحتوي علي حوالي الالف نوع‏,‏ تنتشر في المناطق المداريه‏,‏ وشبه المداريه من الكره الارضيه‏,‏ ومن امثلتها‏:‏
قرع الكوسه‏(‏ او الدباء‏),‏ القرع العسلي‏,‏ العجور‏,‏ الخيار‏,‏ الشمام‏,‏ البطيخ‏,‏ القاوون‏,‏ قرع الاواني‏(‏ او قرع الزجاجه‏),‏ الليف‏,‏ والحنظل‏.‏
ولما كانت هذه النباتات كلها من النباتات العشبيه‏,‏ ومن ثم يصعب وصفها بالاشجار‏,‏ لانه من المتعارف عليه ان الاشجار لها سيقان خشبيه قويه‏,‏ قائمه بذاتها‏,‏ واليقطينيات سيقانها طريه‏,‏ وغير قائمه بذاتها‏,‏ يمكن افتراض ان الشجره التي انبتها الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علي عبده ونبيه يونس بن متي كانت شجره خاصه تجمع بين صفات اليقطينيات وصفات الشجر‏,‏ ولكن لما كان القران الكريم قد عبر بالتعبيرين شجره واشجار عن النبات عموما‏,‏ كما عبر بالتعبيرين دابه ودواب عن عالم الحيوان باكمله‏,‏ لانري حاجه لهذا الافتراض‏.‏ وان كان في المنظور العلمي لا يوجد مايمنع اليقطينيات من امكانيه التواجد علي هيئه شجريه‏,‏ علي الرغم من ضخامه ثمارها التي قد يصل وزن الواحده منها الي اكثر من عشره كيلو جرامات‏,‏ وقد افلحت التجارب الزراعيه بالفعل في تحقيق نمو بعض النباتات العشبيه في هيئه قائمه اما بمساعده الاسلاك بداخل الصوب النباتيه‏,‏ او بالمعالجه ببعض الهرمونات‏,‏ او باستخدام بعض وسائط الهندسه الوراثيه‏.‏

وانبتنا عليه شجره من يقطين‏*‏
من المقطوع به ان الشجره التي انبتها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ ليظلل بها علي عبده ونبيه يونس بن متي‏,‏ ويستره باوراقها الكبيره‏,‏ ويداويه من سقمه بما في اوراقها‏,‏ وزهورها‏,‏ وثمارها‏,‏ واغصانها‏,‏ وسيقانها‏,‏ وعصائرها من مركبات هي شجره خاصه معجزه‏,‏ انبتها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بامره الذي لايرد‏,‏ الا ان الصياغه القرانيه‏:‏ شجره من يقطين توحي بان المقصود هو عموم اليقطين الذي نعرفه‏.‏ وهنا يظهر التساؤل المنطقي‏:‏ وماذا في اليقطينيات من علاج للحالات المماثله للحاله التي مر بها نبي الله يونس‏(‏ عليه السلام‏)‏ بعد ان التقمه الحوت ولفظه بالعراء وهو سقيم‏,‏ اي مريض منهك القوي؟
وقد حاول الاخ الكريم الدكتور كمال فضل الخليفه‏(‏ الاستاذ المشارك لعلم النبات بجامعه الخرطوم‏)‏ الاجابه عن هذا السؤال في رسالتين جامعيتين تمتا تحت اشرافه للحصول علي درجه الماجستير في العلوم‏,‏ واعد موجزا عن نتائجهما في مقال بعنوان اليقطينيات وقايه وعلاج وغذاء نشره في العدد الرابع عشر من مجله الاعجاز العلمي الصادر بتاريخ الاول من ذي القعده سنه‏1423‏ ه‏.‏

وفي هذا المقال ذكر الباحث انه اختار اربعا من اليقطينيات المشهوره في البلاد العربيه وهي‏:‏ قرع الاواني‏,‏ والقرع العسلي‏,‏ والعجور‏,‏ والحنظل‏,‏ وقام بزراعتها وتعهدها حتي اثمرت‏,‏ وجني ثمارها‏,‏ وفي هذه المراحل المختلفه قام بتحضير مستخلصات من مختلف اجزاء هذه النباتات الاربع مستخدما كلا من الماء‏,‏ والكحول الميثانولي‏,‏ والكلوروفورم في كل حاله‏,‏ وتم له اختبار تلك المستخلصات ضد اربعه انواع مختلفه من البكتيريا فاظهرت جميعها فعاليه واضحه في مقاومتها مع اختلاف درجه تلك المقاومه باختلاف نوع النبات‏,‏ واختلاف الاجزاء المختاره منه‏,‏ والسائل المستخدم في عمليه تجهيز المستخلصات‏,‏ ونوع البكتريا‏.‏
وكانت اعلي درجات المقاومه من المستخلصات المستمده من الزهور بصفه عامه‏,‏ ومن زهور وثمار الحنظل بصفه خاصه‏,‏ ثم من اوراق القرع العسلي‏,‏ وكان الكحول الميثانولي افضل سوائل الاستخلاص‏.‏

كذلك اثبت الباحث الاثر الواضح لليقطينيات الاربع المدروسه في مقاومه وطرد بعض الحشرات من مثل الذبابه المنزليه‏,‏ وافات المخازن‏,‏ وفي الوقايه من الامراض التي يمكن لهذه الحشرات ان تنقلها‏.‏
وقد ثبت ان هذه المقدره علي مقاومه الحشرات مردها الي وجود العديد من المركبات الكيميائيه المهمه التي لها تاثير وقائي وطبي واضح في مقاومه وعلاج العديد من الالتهابات الجلديه وتقرحاتها والامراض التي يمكن ان تنتج عن ذلك وقد ثبت بالفعل ان هذه المركبات الكيميائيه لها تاثيراتها الفاعله في علاج عدد من امراض الجهازين الهضمي والبولي‏,‏ وفي مقاومه بعض الامراض السرطانيه‏(‏ عافانا الله جميعا منها‏).‏ هذا بالاضافه الي القيمه الغذائيه العاليه لثمار اليقطينيات الماكوله والقيمه الطبيه للثمار التي لا تؤكل مثل ثمار الحنظل‏.‏
وهنا تتضح روعه الاشاره القرانيه المبهره في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
وانبتنا عليه شجره من يقطين‏*‏
‏(‏الصافات‏:146)‏

خاصه اذا ادركنا ان القران الكريم قد انزل منذ اكثر من الف واربعمائه من السنين علي نبي امي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وفي امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين‏.,‏ فمثل هذه الومضات النورانيه في كتاب الله انزلها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ شاهده له‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بطلاقه القدره علي الخلق‏,‏ وعلي البعث‏,‏ ومؤكده الوهيته‏,‏ وربوبيته‏,‏ ووحدانيته‏,‏ وشاهده للقران الكريم بانه لايمكن ان يكون صناعه بشريه‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي انزله بعلمه علي خاتم انبيائه ورسله‏,‏ وتعهد بحفظه بنفس لغه وحيه‏(‏ اللغه العربيه‏),‏ فبقي محفوظا بحفظ الله كلمه كلمه‏,‏ وحرفا حرفا علي مدي يزيد علي اربعه عشر قرنا والي ان يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الارض ومن عليها‏,‏ وتبقي هذه الاشارات العلميه في كتاب الله حجه علي اهل عصرنا وشاهده لسيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالنبوه وبالرساله‏,‏ وبانه‏(‏ صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والارض‏.‏
فالحمدلله علي نعمه الاسلام‏,‏ والحمدلله علي نعمه القران‏,‏ والحمدلله علي بعثه خاتم الانبياء والمرسلين الذي ارسله الله رحمه للعالمين‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه‏,‏ وعلي اله وصحبه‏,‏ ومن تبع هداه‏,‏ ودعا بدعوته الي يوم الدين واخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين‏.‏



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق